"ملثمٌ ينزف ويده اليمنى مبتورة، يحمل في يده اليسرى عصا خشبية، ينتظر اللحظة المناسبة لمهاجمة الطائرة الدرون الصغيرة التي أرسلها جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعرفة هويته".. كان هذا المشهد هو تقريبًا اللحظة الأخيرة في حياة قائد حركة حماس يحيى السنوار قبل اغتياله، بعد عام تقريبًا من عملية طوفان الأقصى ضد الانتهاكات الإسرائيلية.
تفاصيل عملية القضاء على يحيى السنوار، التي وُصِفَت بأنها لم يكن مخططًا لها أو مدروسة عبر معلومات استخباراتية دقيقة، نشرتها وسائل الإعلام العبرية، وتحدث عنها الجنود المشاركون في اكتشاف هُوية قائد حماس، الذي كان مجهوًلا بالنسبة لهم حتى أثبتت عينات الحمض النووي وأمور أخرى أنه هو.
رصد ومواجهة
كان زعيم حركة حماس يحيى السنوار، برفقة اثنين من قادة الحركة، يتنقلون داخل المنازل في حي تل السلطان بمدينة رفح الفلسطينية (جنوبي قطاع غزة) ظهر الأربعاء 16 أكتوبر، وهو المكان الذي أطلق فيه جيش الاحتلال عملية منذ شهرين على أمل الوصول إلى المحتجزين.
تمكن أحد جنود الكتيبة 450 من العسكرية، بحسب القناة الـ 12 الإسرائيلية، التي تنفذ عمليات في المنطقة برفقة اللواء 188 من سلاح المدرعات، من رصد أحد القادة الثلاث، وهو ما دفع الجنود لتوجيه أسلحة النيران وفوهات الدبابات باتجاه المكان المرصود.
تبادل النيران
خلال الدقائق التي تلت ذلك، كثف جيش الاحتلال ضرباته من خلال الأسلحة الرشاشة على المجهولين الثلاثة، وما أن وجدوا ردود فعل مشابهة بواسطة الرشاشات، صعّد جنود الاحتلال من ردهم بصورة كبيرة.
وصف أحد الجنود المشاركين في الواقعة ما حدث بأنه رد جنوني، إذ استخدم الاحتلال كل ما يملك من أسلحة ضد المختبئين في المنازل، وأطلق الكثير من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة المبتكرة، والطائرات بدون طيار، للتخلص منهم.
المجهولون الثلاثة
خلال تلك المرحلة، لم يكن جنود الاحتلال على علم بأنهم يواجهون المطلوب رقم واحد بالنسبة لهم يحيى السنوار قائد حماس، ورصدوا قيام المجهولون الثلاثة بالانفصال عن بعضهم، إذ دخل أحدهم إلى منزل مقابل للمبنى الذي كانوا فيع.
بعد توقف إطلاق النيران من جهة القادة الثلاث، عصر الخميس تقريبًا، أرسل الاحتلال طائرة درون لاستطلاع الأمر ومحاولة معرفة مصير وهوية من كانوا يواجهونهم، وتأكدوا بالفعل من اغتيال رفقاء يحيى السنوار، دون معرفة هويتهم بعد.
لا يزال حيًا
وفي منزل مكون من 3 أدوار، محاط بأنقاض كثيرة إثر تعرضه لضربات قاسية، كانت الدرون الإسرائيلية تعمل على اكتشاف الجثة الثالثة ومعرفة صاحبها، ولكن المفاجأة أنه لا يزال حيًا، ويجلس داخل المنزل.
وبينما كانت الطائرة بدون طيار تستكشف المنزل، وجدت أمامها رجلًا ملثمًا جالسًا على أريكة، يبدو أنه كان ينزف ويده اليمنى شبه مبتورة، ينظر إلى الدرون الخاصة بالاحتلال دون حراك، وعندما حاولت الاقتراب منه ألقى عليها ما شبه الخشبة أو السيف الطويل.
حتى النهاية
بعد ذلك، كما أكد الجنود المشاركون في العملية، تم إخراج الدرون من المكان وأطلقت المدفعية وابلًا من قذائفها باتجاه المبنى على أمل التخلص من الشخص الملثم الذي ظلوا لعدة ساعات متتالية يتقاتلون معه ومع رفقائه، ثم أطلقوا بعد ذلك قنابل يدوية.
كان صباح يوم الخميس 17 أكتوبر، ظهر في الأفق، عندما قرر مسؤولو جيش الاحتلال، محاولة التعرف على الشخص الثالث الذي كان يقطن في المنزل، فأرسلوا الدرون مرة أخرى إلى نفس المكان، وهناك كان السنوار قضى نحبه إثر قذائف المدفعية المتتالية، التي كان من الصعب النجاة منها بينما يعاني من جروح دامية نتيجة القتال المتواصل.
اكتشاف الخصم
تمكنت الدرون من رؤية وجه السنوار، دون التأكد من أنه هو المطلوب رقم واحد، فقرروا التوجه إليه وهناك أرسلوا عينة من جثمانه إلى تل أبيب لمطابقتها بالعينات التي تمتلكها السلطات الأمنية، عندما كان في سجون الاحتلال قبل إخراجه ضمن صفقة الجندي جلعاد شاليط.
"قُتل السنوار".. هكذا هلل جنود الاحتلال عندما جاءتهم الأخبار من داخل الأراضي المحتلة بعد تم التأكد من مطابقة العينات.
مسبحة وأذكار
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عما كان معه في اللحظات الأخيرة، وهي: مطوية أذكار نبوية وكتيب "أذكار نافعة" ومسبحة وساعة يد وحلوى النعناع وشريط لاصق، بالإضافة إلى بعض النقود الورقية التي قدرت بنحو 1600 شيكل إسرائيلي.
كما جاء في الصور المزعومة التي نشرها جيش الاحتلال وجود سلاح رشاش من طراز "كلاشينكوف"، بالإضافة إلى مخزني رصاص وجعبة عسكرية وتضمنت المتعلقات رصاصة ومصباح إضاءة صغيرًا ومقصًا لتقليم الأظافر.
في النهاية على الرغم من المجهود الهائل والتكنولوجيا المتقدمة والاستخبارات المتعددة على مدار كامل من أجل الوصول إلى السنوار، إلا أن قائد حماس لم تنته حياته عبر عملية خاصة أو من خلال معلومات استخباراتية دقيقة، بل كانت الصدفة وحدها هي التي كانت سببًا في إنهائها.