في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأجيل تعيين رئيس وزراء جديد إلى ما بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية، منتصف أغسطس المقبل، إذ جاء هذا الإعلان في أول مقابلة تلفزيونية للرئيس منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث دعا القوى السياسية إلى التوافق والعمل المشترك في ظل عدم حصول أي كتلة على الأغلبية المطلقة بالبرلمان، وفي هذا الصدد تسلط صحيفة لوموند الفرنسية الضوء على أبرز ما جاء في حديث ماكرون وتداعياته على المشهد السياسي الفرنسي.
رفض اقتراح اليسار
كشفت صحيفة ليزيكو الفرنسية أن الرئيس ماكرون لم يستجب لاقتراح اليسار بتعيين لوسي كاستيتس كرئيسة للوزراء، وبدلًا من ذلك، أكد ماكرون عزمه تأجيل تعيين رئيس جديد للوزراء، إلى ما بعد انتهاء الألعاب الأولمبية، منتصف أغسطس.
وفي السياق ذاته، أعلن الرئيس الفرنسي رغبته في إحداث ما أسماه "هدنة سياسية"، خلال فترة الألعاب الأولمبية، ويبدو أن ماكرون يأمل في أن تسمح هذه الهدنة بتهدئة الأجواء السياسية المشحونة التي سادت في الأيام الأخيرة، وأن تتيح الفرصة للأطراف السياسية المختلفة للتفكير والحوار بعيدًا عن ضغط التصريحات الإعلامية والمناورات السياسية.
الاعتراف بخسارة الأغلبية
في خطوة لافتة، اعترف ماكرون بأن "الأغلبية الوسطية قد خسرت" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومع ذلك، أشار إلى أن الكتلة الوسطية لم تختفِ، وأن جميع الأطراف بعيدة عن تحقيق الأغلبية المطلقة.
وفي السياق ذاته، نقلت ليزيكو عن ماكرون: "الفرنسيون قالوا لنا: اعملوا معًا!"، مؤكدًا أن المسؤولية تقع على عاتق جميع الأحزاب لبناء توافقات والعمل سويًا.
أكد ماكرون بوضوح أن "الموضوع ليس اسمًا، بل أي أغلبية"، رافضًا بذلك الاقتراح المقدم من اليسار بتعيين لوسي كاستيتس، مشددًا على أنه لن يقوم بتعيين رئيس جديد للوزراء قبل منتصف أغسطس، أي بعد انتهاء الألعاب الأولمبية.
وفي تصريح نقلته صحيفة لوموند، قال ماكرون: "بما أنه لا أحد يملك الأغلبية، فلا أحد يستطيع تطبيق برنامجه، لا الجبهة الشعبية الجديدة ولا الأغلبية الخارجة"، ما يعكس إدراك الرئيس الفرنسي للواقع السياسي الجديد، الذي يتطلب توافقات وتنازلات من جميع الأطراف.
دعوة إلى التوافق
شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة أن تخرج الأحزاب من "بديهياتها" وأن تعرف كيف تبني توافقات.
وقال ماكرون: "عليهم أن يقولوا كيف سيعملون معًا [...] وإلا فإنهم سيكونون قد خدعوا الفرنسيين"، مضيفًا أنه "ضامن" لهذا الأمر ولتصويت الفرنسيين.
استمرار الحكومة الحالية
أعلن ماكرون أن الحكومة المستقيلة ستواصل تصريف الأعمال الجارية، خلال فترة الألعاب الأولمبية، وأشار إلى أنه بعد انتهاء هذه الفترة، سيكون من الضروري المضي قدمًا في العملية السياسية، بما في ذلك تعيين رئيس جديد للوزراء، على الأرجح قبل بدء الألعاب البارالمبية.
والإعلان يمنح الأطراف السياسية مهلة إضافية للتفاوض والتوصل إلى توافقات، مع الحفاظ على استمرارية عمل المؤسسات الحكومية.
انفصال عن الواقع
أثارت تصريحات ماكرون وقراراته الأخيرة موجة من الانتقادات الحادة من قبل خصومه السياسيين، إذ عبر العديد من قادة الأحزاب المعارضة عن غضبهم واستيائهم من موقف الرئيس، متهمين إياه بالانفصال عن الواقع وتجاهل نتائج الانتخابات الأخيرة.
وفي رد فعل غاضب، هاجمت مارين توندولييه، زعيمة حزب الخضر، الرئيس ماكرون بشدة، إذ قالت إن ماكرون "منفصل تمامًا عن الواقع"، ما يعكس حجم الاستياء من موقف الرئيس الذي يبدو - من وجهة نظر المعارضة - غير مدرك لحجم التغيير الذي أحدثته نتائج الانتخابات الأخيرة.
من جانبه، لم يكن رد فعل أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، أقل حدة، الذي وصف المقابلة التلفزيونية للرئيس بأنها "انحراف إجرامي"، ما يشير إلى اعتقاد المعارضة بأن ماكرون يحاول التهرب من مواجهة الواقع السياسي الجديد وتجاهل مطالب الناخبين.
وفي السياق ذاته، كتبت النائبة اليسارية ساندرين روسو، على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "إيمانويل ماكرون يغلق كل شيء حتى منتصف أغسطس حتى لا يضطر للاعتراف بأننا وصلنا أولًا"، ما يعكس اعتقاد اليسار بأن ماكرون يحاول تجاهل نتائج الانتخابات التي أظهرت تقدمًا كبيرًا لتحالف اليسار.