الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"إننا نسير على رؤوسنا".. أزمة دستورية تشل البرلمان وتهدد الحياة السياسية في فرنسا

  • مشاركة :
post-title
الجمعية الوطنية الفرنسية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تُواجه فرنسا أزمة دستورية غير مسبوقة تهدد بشل عمل برلمانها وإرباك الحياة السياسية في البلاد، إذ بدأت الدورة التشريعية السابعة عشرة للجمهورية الخامسة في ظروف استثنائية، مع وجود حكومة مستقيلة مكلفة بتصريف الأعمال، مما خلق حالة من الفوضى والارتباك في أروقة السلطة التشريعية، في هذا الصدد تسلط مجلة "ليزكيو" الفرنسية، الضوء على تفاصيل هذه الأزمة وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي الفرنسي.

برلمان جديد وحكومة مستقيلة

تشهد فرنسا حاليًا وضعًا سياسيًا فريدًا من نوعه، حيث يجد 577 نائبًا جديدًا أنفسهم في مواجهة تحدٍ غير مسبوق، إذ افتُتحت الدورة البرلمانية الجديدة يوم الخميس في ظل وجود حكومة مستقيلة، مكلفة فقط بتصريف الأعمال الجارية.

وحسب ما ذكرته مجلة "ليزكيو"، فإن هذا الوضع يخلق حالة من الغموض والارتباك، حيث يحتفظ الوزراء المنتخبون بمناصبهم الوزارية، ولكنهم في الوقت نفسه يمكنهم الجلوس كنواب في البرلمان.

وأشارت المجلة إلى تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد فيه أن هذا الوضع الاستثنائي قد "يستمر لفترة معينة"، مرجحًا أن يمتد حتى نهاية دورة الألعاب الأولمبية في باريس على أقل تقدير.

هذا التصريح يضع البرلمان الفرنسي في موقف صعب، حيث يجد نفسه عاجزًا عن ممارسة مهامه التشريعية والرقابية بشكل فعال.

معضلة دستورية

يواجه المشرعون والخبراء الدستوريون في فرنسا تحديًا كبيرًا في تفسير نصوص الدستور وتطبيقها على هذا الوضع غير المسبوق، فوفقًا لما نقلته "ليزكيو" عن الخبير الدستوري بنجامين موريل، المحاضر في القانون العام بجامعة "باريس بانتيون أساس"، فإن الوضع الحالي يخلق مفارقات غريبة، فعلى سبيل المثال، قد نجد أنفسنا أمام موقف يجلس فيه وزراء مستقيلون في مؤتمر رؤساء الكتل البرلمانية، وهم يمثلون الحكومة من جهة، بينما يجلس زملاؤهم السابقون في الحكومة كرؤساء للكتل البرلمانية من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع يضع الدستور الفرنسي أمام اختبار حقيقي، فكما أوضح موريل للمجلة، لم يسبق في تاريخ الجمهورية الخامسة أن واجهت فرنسا وضعًا مماثلًا، حيث تضطر الجمعية الوطنية للعمل مع حكومة مكلفة بتصريف الأعمال الجارية لفترة طويلة، مل يثير تساؤلات جدية حول مدى مرونة النظام الدستوري الفرنسي وقدرته على التعامل مع مثل هذه الظروف الاستثنائية.

شلل تشريعي

في ظل هذه الظروف الاستثنائية، يبدو أن الجمعية الوطنية الفرنسية تتجه نحو حالة من الشلل التشريعي، إذ نقلت مجلة "ليزكيو" عن الدكتورة آن ليفاد، أستاذة القانون العام بجامعة سوربون، قولها إن النتيجة الأكثر احتمالًا لهذا الوضع، هو أن تضع الجمعية نفسها في حالة "بطالة تقنية" ابتداءً من يوم السبت.

وأوضحت ليفاد أن مؤتمر رؤساء الكتل البرلمانية، وهو الهيئة المسؤولة عن تحديد جدول أعمال الجمعية، قد يقرر عدم إدراج أي موضوعات للنقاش حتى الثاني من أغسطس، وهو موعد نهاية الدورة القانونية قبل العطلة البرلمانية، ما يعني أن البرلمان الفرنسي قد يبقى معطلًا لعدة أسابيع، مما يؤثر سلبًا على قدرته على أداء مهامه التشريعية والرقابية.

غياب الرقابة البرلمانية

من بين التداعيات الخطيرة لهذا الوضع الاستثنائي غياب الرقابة البرلمانية الفعالة على أعمال الحكومة، إذ أكدت الدكتورة ليفاد، في تصريحات نقلتها عنها "ليزكيو"، أن جلسات الأسئلة الموجهة للحكومة، والتي تعد أحد أهم أدوات الرقابة البرلمانية، لن تكون ممكنة في ظل الظروف الراهنة.

وأوضحت ليفاد أن المنطق يقتضي عدم إخضاع حكومة مستقيلة ومكلفة فقط بتصريف الأعمال للرقابة البرلمانية، خاصة أنه لا يمكن إسقاطها من خلال اقتراح حجب الثقة.

هذا الوضع يخلق فراغًا رقابيًا خطيرًا، حيث يجد البرلمان نفسه عاجزًا عن ممارسة دوره الرقابي الأساسي على السلطة التنفيذية.

مستقبل غامض

في ظل هذه الأزمة الدستورية غير المسبوقة، تبرز تساؤلات جدية حول مستقبل العمل السياسي والتشريعي في فرنسا، إذ نقلت "ليزكيو" عن عدد من النواب تعبيرهم عن قلقهم إزاء هذا الوضع.

أحد النواب، الذي فضل عدم ذكر اسمه، صرح للمجلة قائلًا: "لا أرى كيف يمكننا الجلوس إلى جانب وزراء مستقيلين أو تقديم مقترحات قوانين في ظل هذه الظروف، إننا نسير على رؤوسنا!".

هذا التصريح يعكس حالة الإحباط والقلق السائدة بين أعضاء البرلمان، الذين يجدون أنفسهم في موقف لم يسبق له مثيل في التاريخ السياسي الفرنسي الحديث.