الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صراع وانقسامات داخلية بين أتال ودارمانين.. أزمة ثقة تعصف بـ"رئاسة ماكرون"

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء جابرييل أتال ووزير الداخلية جيرالد دارمانين

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تشهد فرنسا حالة من الاضطراب غير المسبوق في تاريخها الحديث، فرئاسة إيمانويل ماكرون، التي بدأت بوعود طموح لتغيير وجه السياسة الفرنسية، تواجه الآن تحديات وجودية تهدد بتقويض أسسها، إذ يشتعل صراع داخلي محموم في حزب الرئيس بين شخصيتين بارزتين، وهما جابرييل أتال (رئيس الوزراء) وجيرالد دارمانين (وزير الداخلية).

وكشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن أبعاد هذه الأزمة المعقدة وتداعياتها المحتملة على مستقبل فرنسا السياسي.

أزمة ثقة

أشارت صحيفة "بوليتيكو" إلى أن الوعد الذي قطعه ماكرون خلال حملته الرئاسية الأولى بـ"تجاوز" الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار بات الآن في خطر وشيك، إذ فشل الرئيس الفرنسي في تحقيق الإصلاحات الموعودة، مما أدى إلى تآكل الثقة به وبمشروعه السياسي.

وبينت الصحيفة أن هذا الفشل لم يقتصر على الساحة الداخلية فحسب، بل امتد ليشمل السياسة الخارجية أيضًا، إذ واجه ماكرون انتقادات حادة بسبب مواقفه من الأزمات الدولية، وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والموقف من الحرب بأوكرانيا.

انقسامات عميقة

وأشارت الصحيفة إلى وجود انقسامات عميقة داخل حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي أسسه ماكرون، فما كان يُفترض أن يكون حركة سياسية موحدة تتجاوز الانقسامات التقليدية، بات اليوم ساحة لصراع محتدم بين تيارين متناقضين، يهدد بتمزيق الحزب من الداخل.

في قلب هذا الصراع، يقف أتال، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ممثلًا للجناح الليبرالي والوسطي في الحزب.

ويتبنى أتال رؤية تقوم على الحفاظ على النهج الإصلاحي الذي بدأه ماكرون، مع التركيز على السياسات الاقتصادية الليبرالية والانفتاح على الاتحاد الأوروبي، ويرى أنصار هذا التيار أن هذا النهج هو ما يميز حزب ماكرون عن الأحزاب التقليدية، وأنه السبيل الوحيد للحفاظ على الدعم الشعبي الذي حظي به الحزب في بداياته.

في المقابل، يقف جيرالد دارمانين، وزير الداخلية الحالي، على رأس التيار المحافظ داخل الحزب، ويدعو –وأنصاره- إلى تبني مواقف أكثر تشددًا في قضايا الأمن والهجرة، ويسعون لتوجيه الحزب نحو اليمين.

ويرى هذا الجناح أن التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا تتطلب نهجًا أكثر حزمًا، وأن الحزب يجب أن يستجيب لمخاوف الناخبين المتزايدة بشأن الهجرة والجريمة.

وتجلى هذا الصراع بوضوح في التصريحات الحادة التي نقلتها "بوليتيكو" عن مؤيدي دارمانين، فعلى سبيل المثال، هاجمت النائبة مود بريجون، المقربة من وزير الداخلية، اليسار وحزب الخضر بشدة، ووصل الأمر إلى حد اتهام الأخيرة لزعيمة حزب الخضر مارين توندولييه بـ"التغاضي عن استخدام زجاجات المولوتوف ضد قوات الأمن"، خلال احتجاج على خزانات المياه العام الماضي، وهذه التصريحات النارية تعكس عمق الهوة التي باتت تفصل بين جناحي الحزب.

خلافة ماكرون

ولفت تقرير "بوليتيكو" إلى أن الصراع بين أتال ودارمانين لا يقتصر على قيادة الحزب فحسب، بل يمتد ليشمل السباق على خلافة ماكرون في رئاسة الجمهورية، فكلا الرجلين يطمح لأن يكون المرشح الرئاسي للحزب في الانتخابات المقبلة.

وترى الصحيفة أن هذا الصراع قد يؤدي إلى انقسام الحزب، خاصة إذا فشل ماكرون في إدارة الخلافات بين الجناحين، فـ"أتال" يحظى بدعم الليبراليين والوسطيين، بينما يتمتع دارمانين بتأييد المحافظين وبعض اليمينيين التقليديين.

محاولات إنقاذ الموقف

في محاولة منه لتجاوز الأزمة الراهنة، نقلت "بوليتيكو" عن رسالة نشرها ماكرون مؤخرًا، دعا فيها "جميع القوى السياسية التي تتماهى مع المؤسسات الجمهورية، وسيادة القانون، والنظام البرلماني، والتوجه الأوروبي، والدفاع عن استقلال فرنسا" للانخراط في حوار صادق ومخلص لبناء أغلبية صلبة.

لكن الصحيفة تشير إلى أن هذه الدعوة قوبلت بردود فعل متباينة، فبينما رحب بها البعض كخطوة في الاتجاه الصحيح، رآها آخرون محاولة يائسة من ماكرون لإنقاذ رئاسته المتعثرة.

تحديات المرحلة الجديدة

تختتم "بوليتيكو" تقريرها بالإشارة إلى التحديات الكبيرة التي تنتظر ماكرون وحزبه في المرحلة القادمة، فمع اقتراب موعد انتخاب الرئيس الجديد للجمعية الوطنية في 18 يوليو، سيكون على ماكرون إثبات قدرته على بناء تحالفات جديدة وإعادة ترتيب البيت الداخلي لحزبه.

وحذرت الصحيفة من أن فشل ماكرون في تجاوز هذه الأزمة قد يؤدي إلى تفكك تحالفه الحاكم، مما قد يفتح الباب أمام صعود قوى سياسية أخرى، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي.