الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرنسا في مأزق.. معركة تشكيل الحكومة بعد زلزال الانتخابات

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

شهدت فرنسا انقلابًا حادًا في موازين القوى بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي حقق فيها تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري مفاجأة كبرى بتصدره المشهد السياسي، ما يعد تحولًا دراماتيكيًا في توازن القوى داخل الجمعية الوطنية الفرنسية وضع البلاد أمام تحديات غير مسبوقة في تشكيل الحكومة المقبلة.

فللمرة الأولى منذ عقود، تجد فرنسا نفسها في وضع سياسي معقّد يتطلب مفاوضات شاقة وحلولاً مبتكرة لضمان استقرار الحكم في الفترة المقبلة.

وفي هذ الصدد سلّطت صحيفة "لوموند" الضوء على المشهد السياسي الجديد في فرنسا والسيناريوهات المحتملة لتشكيل الحكومة في ظل غياب أغلبية برلمانية واضحة.

حكومة في مهب الريح

وفقًا لما نقلته الصحيفة الفرنسية، فقد قدّم رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال استقالته اليوم الاثنين، في أعقاب فقدان الائتلاف الرئاسي للأغلبية في الجمعية الوطنية.

ومع ذلك، طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من أتال البقاء في منصبه "للوقت الراهن"، إذ إن هذا الإجراء يأتي في سياق التقاليد السياسية الفرنسية، كما أوضح بنيامين موريل، محاضر القانون العام في جامعة باريس-بانتيون-أساس، أن "استقالة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية هو عُرف متبع".

مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية في باريس 2024 بأقل من ثلاثة أسابيع، وعدم وجود خليفة واضح على الفور، أعلن "أتال" استعداده للبقاء في رئاسة الوزراء "طالما تطلب الواجب ذلك".

وأوضحت "لوموند" أن هذا الوضع الانتقالي يعكس حالة عدم اليقين السياسي التي تعيشها فرنسا حاليًا، حيث يسعى ماكرون إلى إيجاد توازن دقيق بين احترام نتائج الانتخابات وضمان استمرارية عمل الحكومة في فترة حرجة.

آلية اختيار رئيس الوزراء

يتمتع الرئيس الفرنسي، من الناحية النظرية، بسلطة تعيين رئيس الوزراء وفقًا لتقديره، إلا أن الواقع السياسي يفرض عليه مراعاة توازنات القوى داخل الجمعية الوطنية. فالحكومة التي لا تحظى بثقة الأغلبية البرلمانية قد تواجه خطر الإطاحة بها من خلال اقتراح حجب الثقة.

توضح "لوموند" أنه في السياق الحالي مع عدم حصول أي كتلة سياسية على الأغلبية المطلقة (289 مقعدًا من أصل 577) تصبح عملية اختيار رئيس الوزراء أكثر تعقيدًا.

فالكتلة الرائدة، الجبهة الشعبية الجديدة، حصلت على 182 مقعدًا فقط، مع إمكانية إضافة نحو 13 نائبًا مستقلًا من اليسار، ما يمنحها أغلبية نسبية تمثل بالكاد ثلث مقاعد الجمعية.

هذا الوضع يجبر ماكرون على البحث عن شخصية توافقية قادرة على بناء تحالفات عابرة للأحزاب، أو على الأقل شخصية لا تثير معارضة شديدة من قبل الأغلبية البرلمانية.

وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه المهمة تبدو شاقة في ظل الانقسامات السياسية الحالية.

سيناريوهات تشكيل الحكومة

برزت عدة سيناريوهات محتملة لتشكيل الحكومة المقبلة، كل منها ينطوي على تحديات وصعوبات خاصة، ويأتي في مقدمة هذه الخيارات تشكيل حكومة ائتلافية واسعة، وهو سيناريو يتطلب مفاوضات شاقة ومكثفة بين مختلف الكتل السياسية.

وفقًا لما نقلته صحيفة "لوموند"، فإن هذا النموذج، رغم شيوعه في دول أوروبية أخرى كألمانيا وإيطاليا، يواجه عقبات كبيرة في السياق الفرنسي الحالي، إذ أبدى ممثلو اليسار رفضهم القاطع لأي تحالف مع كتلة الرئيس ماكرون أو اليمين، واصفين مثل هذا التحالف بأنه "تحالف أضداد" غير قابل للتطبيق.

من جانب آخر، يظهر خيار تشكيل حكومة أقلية كبديل محتمل في ظل الظروف الراهنة، هذا السيناريو، الذي سبق تطبيقه في فرنسا خلال السنوات الأخيرة، يتيح تشكيل حكومة دون الحصول على دعم صريح من الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية.

غير أن نجاح هذا الخيار يتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة والمهارة السياسية لضمان استمرارية الحكومة في ظل التهديد الدائم باحتمال سحب الثقة منها.

وفي حال استعصاء التوصل إلى اتفاق سياسي، قد يلجأ الرئيس ماكرون إلى خيار ثالث يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط.

هذا النموذج، الذي يقوم على تعيين وزراء من خارج الأحزاب السياسية يتمتعون بخبرات تقنية عالية، قد يوفر حلًا مؤقتًا للأزمة السياسية، إلا أن استدامة مثل هذه الحكومة على المدى الطويل تبقى محل شك، نظرًا لافتقارها إلى الشرعية الانتخابية المباشرة.

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن كل هذه السيناريوهات تنطوي على تحديات جمة، وتتطلب قدرًا كبيرًا من التوافق والتنازلات المتبادلة بين مختلف الأطراف السياسية، فالوضع الراهن يضع القادة السياسيين الفرنسيين أمام اختبار حقيقي لقدرتهم على تجاوز الخلافات الأيديولوجية وإيجاد أرضية مشتركة للعمل من أجل مصلحة البلاد.

مستقبل غامض وتحديات متعددة

وتؤكد صحيفة "لوموند" أن الدستور الفرنسي لا يسمح بإجراء انتخابات جديدة قبل صيف 2025 على أقرب تقدير، ما يعني أن القوى السياسية ملزمة بإيجاد صيغة للتعاون والحكم المشترك خلال الفترة المقبلة.

وتختتم الصحيفة الفرنسية تحليلها بالإشارة إلى أن المشهد السياسي الفرنسي يظل مفتوحًا على جميع الاحتمالات، فالأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار البلاد وقدرتها على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية بأقل قدر من الاضطرابات.