بدأت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا، اليوم الأحد، التي يأمل اليمين المتطرف في تحقيق نصر تاريخي، لكن الجمود السياسي هو النتيجة الأكثر ترجيحًا، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي".
وهذه هي المرة الأولى التي يحظى فيها "التجمع الوطني" اليميني المتشدد المناهض للهجرة، بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا، بفرصة واقعية لإدارة الحكومة والسيطرة الكاملة على الجمعية الوطنية "البرلمان".
لكن بعد فوز التجمع الوطني في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي أُجريت الأحد الماضي، انسحب مئات المرشحين المنافسين لإعطاء الآخرين فرصة أفضل لهزيمة اليمين المتطرف، في الجولة الثانية اليوم.
ومهما كانت النتيجة، فمن الصعب أن نرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يخرج من هذا البئر، وفق "بي. بي. سي".
قبل أربعة أسابيع، قال "ماكرون" إن الحل هو الدعوة إلى إجراء تصويت سريع ردًا على فوز حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية.
وجاءت الانتخابات التي أجريت على جولتين بمثابة صدمة لدولة تستعد لبدء دورة الألعاب الأولمبية في باريس في 26 يوليو.
وكانت الإجراءات الأمنية مشددة بالفعل، وتم الآن نشر 30 ألف شرطي خلال فترة التوتر السياسي المتزايد، وهناك مخاوف من وقوع أعمال عنف في باريس ومدن أخرى، مهما كانت نتيجة التصويت، وتم حظر احتجاج مخطط له خارج الجمعية الوطنية، مساء اليوم الأحد.
ويعتقد المعلق المخضرم نيكولاس بافيريز، أن الرئيس الفرنسي لغّم فترة ولايته، بفتح أبواب السلطة على مصراعيها لليمين المتطرف، وكتب في صحيفة "لو بوان" عشية التصويت: "لقد عرّض ماكرون إدارة دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 للخطر، الأمر الذي يمكن أن يوجه ضربة قاضية لائتمان فرنسا وصورتها".
وفاز مرشحون مثل مارين لوبان وجوردان بارديلا بالفعل بمقاعدهم، وذلك بحصولهم على أكثر من نصف الأصوات، لكن يتم تحديد 500 منافسة أخرى في جولات الإعادة، والتي يشارك في معظمها إما مرشحان أو ثلاثة مرشحين.
وتعرض الوزير المحافظ السابق أوليفييه مارليكس للهزيمة في الجولة الأولى أمام المرشح اليميني المتطرف أوليفييه دوبوا. وكلاهما تأهلا لجولة الإعادة، إلى جانب مرشح الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، الذي يحتل المركز الثاني على المستوى الوطني.
وكان هناك 217 من الانسحابات في جميع أنحاء فرنسا، بما في ذلك 130 مرشحًا للجبهة الشعبية و81 من تحالف الرئيس ماكرون، وأدى ذلك إلى تغيير جذري في ميزان هذه الانتخابات العامة المحورية.
ويبلغ عدد مقاعد البرلمان الفرنسي 577 مقعدًا، ومنحت التوقعات بعد الجولة الأولى، التجمع الوطني اليميني المتطرف فرصة للفوز بأغلبية مطلقة تبلغ 289 مقعدًا.
ومع ذلك، أشارت استطلاعات الرأي النهائية، أمس الأول الجمعة، إلى أن ذلك بعيد المنال، مع وجود ما بين 205 إلى 210 مقاعد كحد أقصى محتمل.
وتتراوح الأحزاب التي تحاول منع فوز حزب الجبهة الوطنية من اليسار الراديكالي والشيوعيين والخضر إلى الوسطيين والمحافظين، وتقول تلك الأحزاب المتحالفة إنهم يدافعون عن الجمهورية الخامسة من سياسات اليمين المتطرف.
وكان التجمع الوطني خفف العديد من سياساته، لكنه لا يزال يريد منح المواطنين الفرنسيين "الأفضلية الوطنية" على المهاجرين في الوظائف والسكن. ويهدف التجمع إلى إلغاء حق المواطنة التلقائية لأبناء المهاجرين الذين أمضوا خمس سنوات بين 11 و18 عامًا في فرنسا. كما يريد منع مزدوجي الجنسية من العمل في العشرات من الوظائف الحساسة.
وإذا نجح التجمع الوطني في الحصول على ما يزيد على 250 مقعدًا، فقد يبحث عن حلفاء لتشكيل حكومة أقلية. وهذا النوع من حكومة التجمع الوطني غير مرجح، كما يعتقد البروفيسور أرمين شتاينباخ من كلية إدارة الأعمال" إتش أيه سي" في باريس.
ويرى "أرمين" أن تلك الحكومة ستواجه قريبًا تصويتًا بحجب الثقة، وبموجب الدستور، لا يمكن لفرنسا إجراء انتخابات عامة أخرى لمدة عام آخر على الأقل.
والسيناريو المحتمل الآخر هو تشكيل "ائتلاف كبير" يضم أغلب الأحزاب الأخرى، باستثناء حزب "فرنسا الجامحة الراديكالي"، الذي يرفضه تحالف ماكرون والمحافظون باعتبارهم متطرفين.
وهناك حديث أيضًا عن حكومة تكنوقراط، على غرار تلك التي أدارت إيطاليا خلال أزمة الديون في منطقة اليورو. ولكن بدلًا من اختيار خبراء من خارج السياسة، قد يشمل ذلك سياسيين يتمتعون بخبرة مثبتة في مجالات معينة.
وعلى أية حال، فإن فرنسا تدخل منطقة مجهولة، كما يقول جان إيف دورماجن من معهد "كلاستر 17".
وقال "ماكرون" إنه لا ينوي الاستقالة، وسيستمر في قضاء سنواته الثلاث الأخيرة في منصبه.
وقال البروفيسور شتاينباخ لـ"بي بي سي": "سيكون لدينا ماكرون كرئيس بطة عرجاء، خلق هذه الفوضى دون الحاجة إلى القيام بذلك.. وهو يفقد الشرعية".
والقلق المباشر بالنسبة لفرنسا يتلخص في تشكيل حكومة من نوع ما أثناء دورة الألعاب الأوليمبية. ويعتقد الخبير الدستوري بنيامين موريل أن ماكرون يمكن أن يشكل حكومة وحدة وطنية حتى نهاية دورة ألعاب باريس.
وقال "موريل"، لصحيفة "لوفيجارو"، إن ذلك سيمنح الأطراف الوقت للتوصل إلى اتفاق من الآن وحتى بداية العام الدراسي والميزانية المقبلة.