الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صعود اليسار وصدمة اليمين.. قراءة الصحافة الفرنسية لنتائج الانتخابات التشريعية

  • مشاركة :
post-title
البرلمان الفرنسي - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

أسفرت الانتخابات التشريعية في فرنسا، عن نتائج غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، إذ سلطت الصحف الفرنسية الرئيسية الضوء على هذه النتائج بتحليلات معمقة، تناولت التحديات السياسية الجديدة التي تواجه البلاد.

ثلاثية القوى

أجمعت الصحف الفرنسية على أن النتيجة الأبرز لهذه الانتخابات تتمثل في ظهور ثلاث كتل رئيسية في البرلمان الجديد، دون أن تتمكن أي منها من تحقيق الأغلبية المطلقة، إذ أشارت صحيفة "لو موند" إلى أن الجمعية الوطنية الفرنسية أصبحت منقسمة بشكل غير مسبوق، مع حصول تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" على 182 مقعدًا، يليه تحالف الرئيس ماكرون بـ168، ثم حزب التجمع الوطني اليميني بـ143 مقعدًا.

وفي تحليلها لمدجريات الانتخابات، لفتت "لو موند" إلى أن هذه النتيجة تُمثل تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الفرنسي، إذ أصبح البرلمان للمرة الأولى منذ عقود دون أغلبية واضحة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الوضع سيفرض تحديات كبيرة على الحكومة المقبلة في تمرير القوانين والإصلاحات.

صعود اليسار

تناولت صحيفة "لوبينيون" بالتفصيل أكبر نتائج تحالف اليسار، واصفة فوزه بالمركز الأول بأنه "انتصار تاريخي لكنه غير كافٍ".

وأوضحت أن قادة "الجبهة الشعبية الجديدة" يدركون تمامًا أنهم لن يتمكنوا من تشكيل حكومة بمفردهم، ما يضعهم في موقف صعب.

ونقلت "لوبينيون" عن مصادر داخل التحالف اليساري، أن هناك نقاشات محتدمة حول الاستراتيجية المقبلة، فبينما يدعو البعض إلى التمسك بموقف المعارضة الصلبة، يرى آخرون ضرورة الانفتاح على إمكانية التعاون مع قوى أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الانقسام قد يؤثر على تماسك التحالف اليساري في الأشهر المقبلة.

الخاسر الأكبر

من جانبها، قدمت صحيفة "لو فيجارو" تحليلًا مُفصلًا لنتائج حزب التجمع الوطني، واصفة إياه بـ"الخاسر الأكبر" رغم تحقيقه لنتيجة تاريخية.

وأوضحت أن الحزب اليميني، الذي كان يطمح للوصول إلى الأغلبية المطلقة، وجد نفسه في المركز الثالث بفارق كبير عن طموحاته.

ونقلت "لو فيجارو" عن قيادات في الحزب إن "الجبهة الجمهورية"، وهي تحالف غير رسمي بين مختلف القوى السياسية لمنع وصول اليمين للسلطة، نجحت مرة أخرى في صد صعودهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه النتيجة قد تؤدي إلى مراجعات داخلية في استراتيجية الحزب وخطابه السياسي.

مواجهة العاصفة

وعنونت صحيفة صحيفة "لو باريزيان" صفحتها: فرنسا قالت لا لليمين، كما أفردت مساحة كبيرة لتحليل أداء معسكر الرئيس ماكرون، واصفة نتائجه بـ"الصمود المفاجئ".

وأوضحت أن تحالف "معًا" الذي يقوده ماكرون تمكن من الحصول على عدد من المقاعد يفوق توقعات استطلاعات الرأي، رغم تراجعه الكبير مقارنة بانتخابات 2017.

ونقلت "لو باريزيان" عن مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية، أن هذا الأداء قد يمنح ماكرون هامشًا أكبر للمناورة في المفاوضات المقبلة لتشكيل حكومة جديدة.

وأشارت إلى أن الرئيس الفرنسي قد يلجأ إلى محاولة استمالة نواب من اليمين التقليدي أو حتى بعض النواب المعتدلين من اليسار لضمان أغلبية برلمانية هشة.

معضلة تشكيل الحكومة

تناولت صحيفة "ليزيكو" التحديات التي تواجه تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل هذه النتائج غير الحاسمة.

وأشارت إلى أن الرئيس ماكرون يواجه مُعضلة حقيقية في اختيار رئيس الوزراء المقبل، إذ يجب أن يكون قادرًا على بناء توافقات واسعة داخل برلمان مُنقسم.

وذكرت الصحيفة أن جابرييل أتال، رئيس الوزراء الحالي، أعلن أنه سيقدم استقالته للرئيس ماكرون، لكنه أضاف أنه مستعد للبقاء في منصبه "طالما تطلب الواجب ذلك"، في سياق التحضيرات للألعاب الأولمبية.

ونقلت "ليزيكو" عن خبراء دستوريين، أن فرنسا قد تدخل في فترة من عدم الاستقرار السياسي، وقد تواجه أي حكومة جديدة خطر سحب الثقة إذا لم تتمكن من تأمين دعم أغلبية برلمانية مستقرة، محذرة من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى شلل تشريعي، خاصة مع اقتراب موعد التصويت على الميزانية في الخريف المقبل.

مستقبل غامض

في ختام تغطيتها، طرحت الصحف الفرنسية تساؤلات جوهرية حول مستقبل نظام الحكم في فرنسا، إذ أشارت صحيفة "ليزيكو" إلى أن هذه النتائج قد تفتح نقاشًا واسعًا حول ضرورة إصلاح النظام الانتخابي الفرنسي، وربما حتى إعادة النظر في بعض أسس الجمهورية الخامسة.

ونقلت الصحيفة عن محللين سياسيين، أن فرنسا قد تضطر إلى التكيف مع نموذج جديد من "الديمقراطية التوافقية"، إذ يصبح بناء التحالفات والتوافقات السياسية أمرًا حتميًا لضمان استمرارية الحكم.

وختمت "ليزيكو" تقريرها بالقول إن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد قدرة النظام السياسي الفرنسي على التكيف مع هذا الواقع الجديد.