معدل الخصوبة والإنجاب في فرنسا يواصل الانخفاض بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، ما يعني انخفاضًا كبيرًا في أعداد السكان مستقبلًا، إذ بلغ عدد المواليد في النصف الأول من عام 2023 رقمًا قياسيًا منخفضًا، ما يشكل تحذيرًا بشأن التغيرات الديموغرافية في فرنسا.
وراء ذلك، تغيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، منها تأخر النساء عن الزواج والإنجاب ويزداد تركيزهن على المسار المهني، كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة، بما في ذلك تأثير أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا، تلعب دورًا في تأجيل الإنجاب، إذ يمكن لهذا الانخفاض أن يؤدي لتغييرات كبيرة في السياسات الحكومية، مثل زيادة الهجرة للحصول على عمالة أجنبية لدعم النمو الاقتصادي.
انخفاض الإنجاب
واصل معدل الإنجاب في فرنسا انخفاضه في النصف الأول من عام 2023، متراجعًا بنسبة 7%، حسبما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية. ووفقًا للإحصائيات التي أجراها المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، وُلد 314,400 طفل منذ يناير الماضي، وهذا الرقم يشير الى انخفاض بواقع 24,000 مولود عن الفترة نفسها في عام 2022.
هذا الاتجاه في الانخفاض ليس جديدًا، فمنذ بداية العام، ظل عدد حالات الانجاب منخفضًا كل شهر وبقي منخفضًا في يونيو، مع متوسط 1904 حالات إنجاب في اليوم. ما يمثل انخفاضًا بنسبة 7.2٪ مقارنةً بيونيو 2020، وهو الشهر المرجعي للحمل قبل الجائحة.
من يناير إلى يونيو 2023، كاد عدد الوفيات، البالغ 313,300 حالة وفاة يوميا، أن يتجاوز عدد المواليد التي سجلت 314,400، ما جعل الفرق بين المواليد والوفيات قريبًا من الصفر، وهو الأدنى منذ الحرب العالمية الثانية.
عوامل انخفاض الانجاب
وأوضح جيل بيسون، عالم الديموغرافيا في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية، أن السبب وراء هذا الانخفاض التدريجي في معدل الإنجاب في فرنسا، الذي كان الأعلى في الاتحاد الأوروبي، يعود الى ازدياد متوسط عمر المرأة عندما تلد طفلها الأول من 24 عامًا في عام 1974 إلى 31 عامًا في عام 2022.
وبحسب ما أشارت دراسة المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، فإن انخفاض معدلات الإنجاب، يعود إلى عدة أسباب، منها تغير نمط حياة الفرنسيات، ما أثر بشكل كبير على معدلات الإنجاب، إذ أصبحت النساء أكثر تعليمًا وشغلت أدوارًا أكثر أهمية في سوق العمل، ما أدى إلى تغيير في الأولويات والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
تأتي في المرتبة الثانية الظروف الاقتصادية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والشكوك المتعلقة بتغير المناخ، يمكن أن تؤثر على قرار الأفراد بشأن الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، الظروف الشخصية مثل ظروف المعيشة والتوظيف يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في قرار الإنجاب.
وأكدت الدراسة أنه على الرغم من التقدم الذي أحرزته النساء في التعليم والعمل، فإن الرجال لم يتولوا بشكل كبير المزيد من مهام المنزل ورعاية الأطفال. هذا قد يدفع النساء إلى التفكير في تقليل حجم الأسرة. إذن فإن التحولات الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في انخفاض معدلات الإنجاب في فرنسا.
جرس انذار
يدق هذا الانخفاض جرس الإنذار بشأن التغييرات في الكتلة السكانية في فرنسا، ما يمكن أن يؤثر في عدد من السياسات الحكومية المحلية والوطنية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم وحتى الهجرة. قد يكون هذا الانخفاض في معدل النسل دافعًا للحكومة الفرنسية لتعزيز سياسات الهجرة لملء الفجوة السكانية، خاصة في ضوء تقدم السكان في العمر والحاجة المتزايدة للعمال في قطاعات معينة من الاقتصاد.
تأثيره على المهاجرين
قد يفتح انخفاض معدل الخصوبة الباب أمام المزيد من الهجرة إلى فرنسا لتلبية احتياجاتها من اليد العاملة. فالحكومة الفرنسية قد تحاول جذب المزيد من المهاجرين لملء الفجوة السكانية، خاصة في ظل تقدم السكان في العمر والحاجة المتزايدة للعمالة في بعض القطاعات.
فرصة للمهاجرين
لكن هذا الواقع قد يعني فرصًا أفضل للمهاجرين للحصول على تأشيرات ووظائف في فرنسا. فالاقتصاد الفرنسي بحاجة إلى المزيد من العمالة الأجنبية للمساعدة في دعم نموه وازدهاره.
تحديات إضافية
مع ذلك، فإن زيادة الهجرة قد تعني تحديات إضافية للمجتمع الفرنسي فيما يتعلق بالاندماج والتأقلم مع الثقافة واللغة وسوق العمل للمهاجرين الجدد، كما أن التوترات الثقافية والاجتماعية قد تزداد.
وبالتالي، فإن ارتفاع معدلات الهجرة المحتملة لملء الفجوة السكانية يمكن أن تأتي بفوائدها، لكنها ستأتي بتحدياتها الخاصة بالنسبة للمجتمع الفرنسي ككل.