الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرنسا تتأرجح على حبال العدالة.. رئيس الشرطة يثير الجدل والإضراب يفاقم الأزمة

  • مشاركة :
post-title
تجمع عدد من ضباط الشرطة لدعم زملائهم الأربعة خارج محكمة مرسيليا في 20 يوليو 2023

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

منذ فترة وجيزة، بدأت فرنسا تشهد موجة من الاحتجاجات والتظاهرات المنددة بالعنف الشديد الذي يمارسه بعض أفراد قوات الشرطة ضد المدنيين، والذي وصل حدَّ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وبالرغم من المحاولات الحكومية لاحتواء هذه الأزمة، إلا أنها لم تتوقف، بل تفاقمت مع تصريحات رئيس الشرطة الفرنسية الأخيرة، والتي أثارت الكثير من الجدل، ولجعل الأمور أكثر تعقيدًا، قررت نقابات الشرطة الفرنسية الدخول في إضراب نادر، مما يعني تحدِّيًا للسُلطات وتهديدًا للاستقرار العام في البلاد.

تصريحات مُثيرة

أثارت تصريحات، فريديريك فو، رئيس الشرطة الفرنسية في نهاية الأسبوع الماضي جدلًا واسعًا في فرنسا، إذ انتقد قرار حبس أحد الضباط الذين يتم التحقيق معهم بشأن تورطهم في أحداث الشغب التي شهدتها البلاد أخيرًا.

وقال "فو" في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، بعد أن سافر إلى مرسيليا لنقل رسالة دعم من وزير الداخلية جيرالد دارمانان: "عمومًا، أعتقد أنه قبل المحاكمة المحتملة، يجب ألا يكون ضابط الشرطة في السجن، حتى لو ارتكب أخطاءً أو أخطاءً خطيرة أثناء عمله".

وجاءت هذه التصريحات في محاولة من "فو" لتهدئة الأوضاع في مدينة مرسيليا، حيث نفذ الضباط إضرابًا نادرًا؛ احتجاجًا على قرار المحكمة بحبس زميل لهم في الخدمة.

حرب الشرطة والقضاء

في افتتاحيتها يوم الأربعاء، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسة إن تصريحات فو تهدد بفتح "فصل جديد في الحرب بين الشرطة والقضاء"، بينما "تشكك أيضًا في مبادئ سيادة القانون، أي استقلال القضاء، والفصل بين السُلطات والمساواة أمام القانون".

في هذا السياق، أعربت الصحيفة عن قلقها من "الصمت المقلق" للحكومة.

الشرطي المسجون هو أحد الضباط الأربعة الخاضعين للتحقيق بشأن التعدي على رجل يبلغ من العمر 21 عامًا من أصل شمال إفريقي في وسط مارسيليا، يدعى هادي كونبيني، خضع لعمليات جراحية متعددة وأزيل جزء من جمجمته بعد ما قال خلال الإدلاء بشهادته إنه تعرض لهجوم متعمد من قبل الشرطة باستخدام بندقية لمقاومة الشغب.

هادي كونبيني
هجوم على استقلالية القضاء

وتركزت الانتقادات بعد ذلك على تصريحات فو التي اعتبرها القضاة هجومًا على استقلاليتهم ومبدأ المساواة أمام القانون.

وتعتبر تصريحات فو مثار جدل في فرنسا، إذ انتقد القضاة تصريحات رئيس الشرطة بشدة، واعتبروها هجومًا على استقلاليتهم ومبدأ المساواة أمام القانون، فيما أصدر نائب رئيس اتحاد القضاة، سيسيل ماميلان، بيانًا يصف فيه التصريحات بأنها "فضيحة" و"خطيرة جدًا في دولة القانون"، بحسب ما أشارت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية.

وأضاف أوليفييه لورانت، قاضي مرسيليا العليا، بيانًا يدعو فيه إلى "التحلي بالضبط وعدم التأثر بالضغوط لتمكين القضاء من مواصلة التحقيق بحرية وبدون تحيز".

هجوم اليسار

وفي نفس السياق، هاجمت المعارضة اليسارية الحكومة بسبب عدم قدرتها على السيطرة على ما وصفته بـ"هرمية الشرطة التي تضع نفسها فوق القانون"، بحسب ما حذر منه أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي.

لا أحد فوق القانون

من جهته، تجنب "ماكرون" التعليق على كل من تصريحات فو والقرار القضائي بوضع الضابط رهن الحبس الاحتياطي خلال لقاء تلفزيوني على قناة "تي إف 1" الفرنسية، أكد أنه "لا يوجد أحد في الجمهورية فوق القانون" وأن الشرطة "بشكل واضح تخضع للقانون"، بحسب شبكة "بي إف إم تي" الفرنسية.

وفوق كل شيء، أشاد ماكرون بالشرطة في مواجهة "موجة غير مسبوقة من العنف" خلال أعمال الشغب، التي أُصيب فيها نحو 900 من رجال الشرطة، وقال إنه يفهم "مشاعر ضباطنا"، مُضيفًا أنه "يجب سماعهم مع احترام سيادة القانون".

تحذيرات من تفاقم الأزمة

ويأتي ذلك في ظل انتقادات متزايدة لتصرفات الشرطة الفرنسية واستخدامها المفرط للقوة في مواجهة الاحتجاجات، ضد إصلاحات التقاعد التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تم المضي فيها رغم اعتراضات واسعة من المواطنين والنقابات.

وفي هذا الصدد، حذر خبير الشرطة الفرنسية، جان مارك بيرليير، من أن الشرطة تشعر بالاستياء والظلم، وذلك بسبب الاحتجاجات العنيفة التي واجهتها خلال الفترة الماضية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.

وأشار "بيرليير" إلى الانتقادات المتزايدة لتصرفات الشرطة الفرنسية، والتي وجهتها مجموعات حقوق الإنسان ومنظمات دولية مختلفة.

وتحتل هذه الأحداث مساحة كبيرة من الاهتمام في الساحة السياسية الفرنسية، إذ يخشى بعض الخبراء من أن تؤدي هذه التصعيدات إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية وزعزعة استقرار البلاد.

محاولة احتواء الوضع

وفي محاولة لتهدئة الوضع، صرح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، يوم الخميس الماضي، بأنه يفهم الاستياء والغضب الذي يعبر عنه رجال الأمن الذين يحتمل أن يتعرضوا للعنف المتكرر في مهامهم.

كما حث دارمانان، بحسب ما أشارت شبكة بي إف إم تي في، رجال الشرطة على عدم التخلي عن خدمة الجمهور وتحقيق المصالح العامة.

اتهامات متبادلة

تتهم نقابات الشرطة بشكل روتيني القضاة بأنهم متساهلون للغاية مع المجرمين، وأنهم قاسون للغاية مع الضباط، بحسب ما أشارت صحيفة لوموند الفرنسية.

وفي غضون ذلك، تتهم نقابات القضاة سلطات الشرطة بـ"اختطاف" القضاء لقمع حركات الاحتجاج، لا سيما من خلال استخدام الاعتقالات التعسفية أو "الوقائية" التي نادرًا ما تؤدي إلى الملاحقة القضائية.

ويعتبر هذا الجدل الجاري في فرنسا مُؤشرًا على المشاكل المتزايدة التي تواجه السُلطات الفرنسية في السيطرة على الوضع الاجتماعي والأمني في البلاد.