في مشهد يعكس لحظة تاريخية، يتنقّل سكان غزة بين الركام والطرقات المدمّرة في رحلة بحثٍ عن مأوى لم يعد يتّسع للنازحين. وفي ليلٍ يشبه "يوم القيامة"، كما وصفه أحد الشهود لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، تعالت أصوات الغارات الجوية الكثيفة والطائرات المسيّرة التي مزّقت صمت الفجر.
وبينما تحشد إسرائيل قواتها البرية معلنةً بدء غزو مدينة غزة، تتوالى شهادات السكان، إلى جانب تحذيرات دولية، واتهامات أممية بالإبادة الجماعية، وبيانات غاضبة من حماس وقطر.
نزوح جماعي
أظهرت لقطات حصرية بثّتها شبكة "سي إن إن" من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة منازلَ مدمّرة بالكامل وسكانًا يفرّون بحقائب وبطانيات عبر الأنقاض. وقال محمد البيان، أحد النازحين جنوبًا: "إن هذا أكبر من مجرد عملية عسكرية، أعتقد أنهم هنا للاحتلال".
وعلى الطريق ذاته، شوهدت صفية البابا، أم لستة أطفال، تبحث عن وسيلة لنقل أغراضها بعد ليلة من الغارات، واصفةً ما حدث بأنه "يوم يشبه القيامة". وأضافت: "كنا مرعوبين، لم نستطع النوم، ورأينا طائرات رباعية المراوح أمام منزلنا، فأخذنا أشياءنا وغادرنا".
تحذيرات دولية
كانت الأمم المتحدة قد حذّرت الشهر الماضي من أن الغزو الإسرائيلي لمدينة غزة سيعرّض نحو مليون فلسطيني لخطر النزوح القسري.
وقبل الحرب، بلغ عدد سكان غزة 450 ألف نسمة، غير أن العدد ارتفع إلى 1.2 مليون حتى أغسطس الماضي، بعد نزوح الآلاف من مناطق أخرى.
وقدّر الجيش الإسرائيلي أن 320 ألف فلسطيني غادروا غزة نحو الجنوب منذ صدور أوامر الإخلاء الأولى، مشيرًا إلى أن أكثر من 100 ألف نزحوا خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، فيما أكّد أن 40% من سكان المدينة قد فرّوا بالفعل.
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن إسرائيل "تدفع سكان مدينة غزة إلى التهجير القسري تحت وطأة الغارات الجوية، نحو معسكرات المواصي المكتظّة التي تفتقر إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية".
اتهام أممي لإسرائيل
بالتزامن مع التوغّل البري، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة تقريرًا خلص إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وهو ما وصفته اللجنة بأنه "النتيجة الأكثر موثوقية للأمم المتحدة حتى الآن".
رئيسة اللجنة نافي بيلاي قالت لشبكة "سي إن إن" إنها توقعت من إسرائيل "الطعن في نتائجنا الواقعية"، لكنها فوجئت بـ"هجمات شخصية" عليها.
التقرير أوصى بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل، وضمان عدم تورط الشركات والأفراد في دعم ما وصفه بأعمال الإبادة. كما دعا مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى فحص هذه الجريمة ضمن تحقيقاته بشأن فلسطين. ومع ذلك، أوضحت "سي إن إن" أن التقرير لا يشكّل قرارًا رسميًا على مستوى الأمم المتحدة، لكنه يضع التزامات قانونية على الدول الأعضاء وفق اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
إسرائيل رفضت التقرير بشكل قاطع، مؤكدة أنها تخوض الحرب "دفاعًا عن النفس ووفق القانون الدولي".
ردود من حماس وقطر
حركة حماس أصدرت بيانًا وصفت فيه الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه "تصعيد همجي غير مسبوق وفصل جديد من حرب الإبادة الممنهجة"، وحمّلت الولايات المتحدة "المسؤولية الكاملة عن عواقب الغزو"، واعتبرت دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل "شراكة مباشرة في التطهير العرقي".
من جانبها، قالت وزارة الخارجية القطرية إن المحادثات الرامية إلى وقف الحرب فقدت شرعيتها بعد استهداف إسرائيل لمفاوضي حماس المقيمين في الدوحة، فيما صرّح المتحدث باسم الوزارة ماجد الأنصاري: "ما نوع المحادثات التي يمكن إجراؤها، وحول ماذا؟ لا جدوى من التفاوض عندما يسعى أحد الطرفين لاغتيال الطرف الآخر"، مؤكدًا أن أولوية قطر حاليًا هي "حماية سيادتها".
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في مؤتمر صحفي بنيويورك إن إسرائيل "ليست منفتحة على مفاوضات جادة" لوقف إطلاق النار وضمان إطلاق سراح الرهائن. واستبعد إمكانية تشكيل قوة دولية لحماية المدنيين بسبب رفض متوقع من واشنطن وتل أبيب، لكنه شدّد على رغبته بوقف فوري لإطلاق النار.