أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اعترافا غير مألوف يكشف عن حقيقة تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، فإسرائيل باتت تواجه عزلة دولية قد تطول لسنوات بسبب حربها المستمرة في غزة.
هذا الاعتراف، لم يكن مجرد توصيف عابر للأزمة، بل إقرار بأن دولة طالما قدّمت نفسها كقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، باتت اليوم مضطرة لإعادة التفكير في علاقتها مع العالم وحتى في كيفية تأمين قوتها وأسلحتها، مستندة في ذلك على الدعم الأمريكي اللامحدود.
عزلة تمتد لسنوات
في كلمة ألقاها خلال مؤتمر لوزارة المالية، أقر نتنياهو بأن إسرائيل تواجه نوعًا من العزلة الدولية، قد تستمر لسنوات"، مضيفًا أن البلاد "ليس لديها خيار سوى الوقوف بمفردها، وأن الاقتصاد الإسرائيلي سيحتاج إلى التحول نحو الاكتفاء الذاتي والاعتماد أقل على التجارة الخارجية".
وقال نتنياهو، الذي وصف كلمة "الاكتفاء الذاتي" بأنها "كلمة يكرهها"، إنه هو نفسه من قاد ما سمّاه "ثورة السوق الحرة" في إسرائيل، لكنه يرى أن الظروف تفرض مسارًا مختلفًا اليوم.
وأشار نتنياهو إلى أن أبرز القطاعات المتضررة من هذه العزلة هي تجارة الأسلحة، متوقعًا أن تُجبر إسرائيل على تطوير صناعاتها الدفاعية داخليًا، وقال: "سنكون بمثابة أثينا وإسبرطة العظمى معًا"، و"لا خيار أمام إسرائيل سوى بناء صناعة سلاح مستقلة في مواجهة القيود الدولية".
اتهامات بالإبادة
يمثل هذا الاعتراف استجابة نادرة أمام موجة الانتقادات الدولية، إذ تتهم منظمات أممية ودول عديدة إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، وهو ما تنفيه تل أبيب بشدة.
بحسب "سي إن إن،" تواجه إسرائيل الآن حظرًا جزئيًا أو كليًا على توريد الأسلحة من فرنسا، هولندا، المملكة المتحدة، إسبانيا، وإيطاليا، بينما تظل الولايات المتحدة المورد الرئيسي دون فرض قيود، بل إنها حذّرت حلفاءها من اتخاذ إجراءات مشابهة، وذكّرت الشبكة بأن إدارة ترامب رفعت سريعًا تأخيرًا فُرض في عهد بايدن لشحنة قنابل تزن 2000 رطل.
جنون نتنياهو
تصريحات نتنياهو قوبلت بانتقادات حادة في الداخل. زعيم المعارضة يائير لابيد وصف ما قاله رئيس الوزراء بأنه "جنون"، معتبرًا أن العزلة "ليست قدرًا، بل نتيجة سياسة خاطئة وفاشلة".
أما غادي آيزنكوت، رئيس الأركان السابق، المرشح المحتمل للانتخابات، فقال: "لن تكون هناك فرصة ثانية لإصلاح الأضرار التي تسبب فيها نتنياهو وشركاؤه الذين تخلوا عن المحتجزين وعزلوا إسرائيل عن العالم".
ولطالما اعتُبرت إسرائيل قوة اقتصادية عالمية مدفوعة بالتكنولوجيا، لكن الحرب الحالية الأطول والأكثر تكلفة في تاريخها بدأت تترك آثارًا واضحة على الاقتصاد.
وربط نتنياهو هذه العزلة بما وصفه بـ"أجندة إسلامية متطرفة" تؤثر على السياسة الأوروبية، مشيرًا إلى دور قطر في "تشكيل الخطاب العالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، ما يزيد من عزل إسرائيل.
وأكد أن هذا الوضع يهدد بفرض عقوبات اقتصادية، إضافة إلى مشكلات في استيراد الأسلحة وقطع الغيار.
تباين المواقف
في المقابل، تبنى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، خطابًا أكثر تفاؤلًا، إذ قال على منصة "أكس"، إن سوق الأوراق المالية تشهد ارتفاعًا، والتضخم ينخفض، مشيدًا بإدارة الاقتصاد "رغم ظروف الحرب".
وأضاف نتنياهو في بيان لاحق، أن "الاستثمار في إسرائيل الشيء الذكي الذي ينبغي فعله"، مشددًا على أن البلاد ستواصل الاستثمار في الصناعات الدفاعية لتجنب الاعتماد على "زعماء أوروبا الغربية الضعفاء"، على حد وصفه.
وفي اليوم نفسه، ظهر نتنياهو إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي أشاد بـ"الصداقة الإسرائيلية الأمريكية" وبالتعاون العميق بين الجانبين، بما يتجاوز قضايا الحرب والسلام.
إلا أن نتنياهو وروبيو وجها انتقادات حادة إلى دول مثل فرنسا، كندا، وأستراليا، بعد أن أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
العداء يتزايد عالميًا
إلى جانب ذلك، شهدت إسرائيل حفلًا رسميًا في بيت الرئيس إسحاق هرتسوغ، لإحياء ذكرى الرئيس التاسع شمعون بيريز ورئيس الوزراء موشيه شاريت، وخلال المناسبة، أشار هرتسوغ إلى "تزايد العداء العالمي ضد إسرائيل"، لافتًا إلى أنه لمس في بريطانيا "مستويات عداء غير مسبوقة".
وقال هرتسوغ: "علينا ألا نقبل العزلة التي يسعى أعداؤنا لفرضها علينا، مفهوم أمننا يعتمد على التحالفات، سواء داخل الشرق الأوسط أو مع شركائنا في الغرب".