وضعت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق استراتيجي قد يدفعه إما نحو تعزيز العلاقات مع الصين وإما الدخول في مواجهة تجارية معها، وسط مخاوف من تدفق البضائع الصينية الرخيصة إلى الأسواق الأوروبية.
ضربة موجعة
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الشركات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي تواجه خطر فقدان الوصول إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم بسبب الرسوم الشاملة بنسبة 20% التي فرضها ترامب على الصادرات الأوروبية، مع رسوم أعلى على منتجات رئيسية مثل السيارات والشاحنات، فيما تواجه الصين وضعًا أصعب مع رسوم تتجاوز 50% على صادراتها للسوق الأمريكي.
ووجد الخبراء أن هذا الوضع قد يؤدي إلى نتيجة غير متوقعة، تتمثل في احتمال تقارب الاقتصادين الأوروبي والصيني، في وقت تسعى فيه إدارة ترامب إلى إضعاف النفوذ الصيني عالميًا.
انفراج أم تصادم
ولفت الصحيفة الأمريكية إلى ظهور علامات على انفراج محتمل في العلاقات الأوروبية الصينية مؤخرًا، فعلى الرغم من فرض الاتحاد الأوروبي رسوم جمركية أعلى على السيارات الكهربائية الصينية العام الماضي، أعلنت وزارة التجارة الصينية أن الجانبين اتفقا على إعادة المفاوضات.
وأكد أولوف جيل، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للتجارة، استعداد المسؤولين لمواصلة المناقشات بشأن سلاسل توريد السيارات الكهربائية وإعادة النظر في سياسات التسعير.
لكن الاحتمال الأكبر هو أن تؤدي الرسوم الأمريكية إلى تباعد أكبر بين الاتحاد الأوروبي والصين، إذ إن انخفاض وصول الصين إلى المستهلكين الأمريكيين قد يدفع شركاتها إلى إغراق السوق الأوروبية بالمعادن والمواد الكيميائية والمنتجات الرخيصة، ما سيزيد من التوترات بين بروكسل وبكين.
وقالت تيريزا فالون، المحللة في مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا في بروكسل: "هناك طريقان يمكن أن تسير فيهما الأمور، أوروبا في وضع صعب للغاية"، محذرة من أن العلاقات بين الجانبين قد تتدهور بشكل غير مسبوق.
خطة أوروبا
يستجيب الاتحاد الأوروبي بسرعة لتحدي الحرب التجارية الجديدة، إذ يخطط لوضع اللمسات الأخيرة على قوائم أولية للسلع المستهدفة برسوم انتقامية الأسبوع المقبل، كما يسعى للتفاوض مع واشنطن، ومن المقرر أن يجتمع مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي مع نظرائه الأمريكيين عبر مؤتمر بالفيديو.
بالتوازي مع ذلك، يعمل الاتحاد على توسيع علاقاته التجارية مع الهند ودول أمريكا الجنوبية وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية والمكسيك، إضافة إلى تعزيز الشراكات مع كندا والمملكة المتحدة، إلا أن استبدال السوق الأمريكية البالغة 18.8 تريليون دولار يبقى تحديًا كبيرًا، خاصة وأن سوق الاتحاد الأوروبي تقدر بنحو 10 تريليونات دولار والصين 7 تريليونات دولار فقط.
تحديات وتناقض
تتضح معضلة أوروبا مع الصين في تصريحات قادتها المتناقضة، فبينما دعت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في دافوس، إلى "التعامل البناء مع الصين" وتوسيع العلاقات التجارية "حيثما أمكن"، سارعت بعد إعلان رسوم ترامب إلى التحذير من خطر استيعاب "فائض الطاقة العالمية وإغراق أسواقنا".
ويرى نوح باركن، المتخصص في شؤون الصين من صندوق مارشال الألماني، أن "رسوم ترامب ستؤدي على الأرجح إلى تحويل كمية هائلة من الصادرات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي"، متوقعًا أن يستخدم الاتحاد "مجموعة أدوات سياسته التجارية بأكملها ضد بكين".
وأضاف: "من الصعب تصور سيناريو تنتهي فيه العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين بشكل جيد".
بحسب "نيويورك تايمز"، فإن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه الآن في موقف بالغ التعقيد، فبينما تشكل السوق الأمريكية التي يرأسها ترامب منذ يناير 2025 تهديدًا مباشرًا لصادراته، يمثل التقارب مع الصين مخاطرة استراتيجية كبرى في ظل التوترات السياسية والخلافات التجارية المستمرة.