وسط أجواء مشحونة بالاحتجاجات والمطالب الشعبية، شهدت جورجيا حدثًا يزيد من تعقيد أزمتها السياسية، إذ انتخب البرلمان لاعب كرة القدم السابق ميخائيل كافيلاشفيلي رئيسًا للجمهورية.
هذا القرار الذي جاء في خضم انقسامات داخلية وصراع حول مسار البلاد، يمثّل خطوة حاسمة تثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في جورجيا وحلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي التقرير التالي نستعرض كيف يعمّق تعيين كافيلاشفيلي الانقسامات ويزيد من عزلة جورجيا عن الغرب.
صعود كافيلاشفيلي
ميخائيل كافيلاشفيلي، المهاجم السابق لنادي مانشستر سيتي، بدأ حياته السياسية عام 2016 بعد انضمامه لحزب الحلم الجورجي، ولاحقًا، شارك في تأسيس حزب قوة الشعب، الذي عُرف بخطابه المناهض للغرب والداعم لسياسات تقارب مع روسيا.
في انتخابات رئاسية شهدت مقاطعة من جماعات المعارضة الرئيسية، انتخب كافيلاشفيلي رئيسًا بأغلبية ساحقة بلغت 224 صوتًا من أصل 225، في عملية وصفتها الرئيسة المنتهية ولايتها سالومي زورابشفيلي بأنها "مهزلة".
حلم أوروبي معلق
اندلعت الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر الماضي عقب الانتخابات البرلمانية التي اتُهم الحزب الحاكم بتزويرها، وتصاعدت الاحتجاجات في نوفمبر عندما أعلنت الحكومة تعليق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028، ما اعتبره الجورجيون خيانة لطموحاتهم الأوروبية المنصوص عليها في الدستور.
في العاصمة تبليسي، امتلأت الشوارع يوميًا بالمحتجين الذين رفعوا أعلام الاتحاد الأوروبي وطالبوا بإجراء انتخابات جديدة. وشملت الاحتجاجات شخصيات بارزة من مختلف القطاعات، من المحامين إلى الفنانين، في مشهد يعكس رغبة شعبية قوية لاستعادة المسار الديمقراطي.
العزلة الدولية
وحسب "بي بي سي" البريطانية، فقد تزايدت الانتقادات الدولية للحكومة الجورجية مع تعيين كافيلاشفيلي رئيسًا. أدانت منظمة الشفافية الدولية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اعتقال أكثر من 460 شخصًا خلال الاحتجاجات الأخيرة. كما وثّقت المنظمة حالات تعذيب وسوء معاملة للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام.
في الثالث عشر من ديسمبر، وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة إلى الشعب الجورجي أكد فيها دعم الاتحاد الأوروبي لتطلعاتهم، واصفًا تعليق مفاوضات الانضمام بأنه "خيانة للشعب الجورجي".
دور المعارضة
الرئيسة سالومي زورابشفيلي، التي تُعرف بمواقفها المؤيدة للغرب، وصفت البرلمان الحالي بأنه "غير شرعي"، مؤكدة أنها المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية في البلاد. أعلنت أنها ستبقى في منصبها حتى تحقيق مطالب الشعب بإجراء انتخابات جديدة.
من جهتها، رفضت المعارضة المشاركة في البرلمان الجديد، وواصلت الدعوة لاحتجاجات سلمية لتحقيق التغيير السياسي.
رسالة ماكرون
في الثالث عشر من ديسمبر، أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابًا مصورًا إلى الشعب الجورجي، وفي عشية الذكرى السنوية لترشح جورجيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، كرّر ماكرون دعمه لتطلعات الجورجيين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأكد أن الاتحاد يقف إلى جانب السلام والحوار، وأعرب عن أمله في أن تواصل جورجيا السير على طريق التكامل الأوروبي.
وأشار الرئيس ماكرون إلى أن خيانة التطلعات الأوروبية للشعب الجورجي، المنصوص عليها في الدستور الجورجي، أمر غير مقبول وأن حلم جورجيا الأوروبي لا ينبغي أن يموت، مشيرًا إلى أن اختيار جورجيا السيادي للمسار الأوروبي يتم التعبير عنه الآن سلميًا من خلال الاحتجاجات في تبليسي ومدن أخرى في البلاد.
أزمة متفاقمة ومستقبل غامض
مع استمرار الاحتجاجات وتزايد القمع، يبدو أن جورجيا تتجه نحو أزمة سياسية ودستورية أعمق. قرار تعيين كافيلاشفيلي، المعروف بتوجهاته المناهضة للغرب، يعكس انحرافًا عن المسار الأوروبي الذي طالما كان حلمًا للشعب الجورجي.
بينما تصر الحكومة على سياساتها، يبقى مستقبل جورجيا في مهب الريح، محاطًا بمخاوف من تحولها إلى نموذج استبدادي بعيدًا عن القيم الديمقراطية التي لطالما سعت إليها.