في رواية درامية تمزج بين الرياضة والسياسة، صعد ميخائيل كافيلاشفيلي، المهاجم السابق في الدوري الإنجليزي الممتاز، ليصبح رئيسًا لجورجيا وسط انقسامات داخلية واحتجاجات شعبية غاضبة.
مسيرته لم تكن تقليدية؛ فمن الملاعب الخضراء إلى قلب الساحة السياسية، أصبح رمزًا لتحول جورجيا عن مسارها الغربي التقليدي إلى نموذج سياسي جديد، هذا التقرير يستعرض صعوده المثير، ويضعه في سياق سياسي واجتماعي معقد، حيث تتشابك طموحات السلطة مع تطلعات الشعب الجورجي ومستقبل البلاد.
كافيلاشفيلي.. من لاعب إلى سياسي
قبل أن يدخل عالم السياسة، كان ميخائيل كافالشفيلي وجهًا مألوفًا لعشاق كرة القدم. فقد لعب كمهاجم بارز مع فريق مانشستر سيتي الإنجليزي بين عامي 1995 و1997، كما حمل قميص المنتخب الجورجي في 46 مباراة دولية.
انتقاله إلى السياسة بدأ في عام 2016، عندما انضم إلى البرلمان الجورجي عن حزب الحلم الجورجي. في 2022، أسس حركة قوة الشعب، التي تميزت بخطابها المناهض للغرب وبتوجهات مثيرة للجدل شبيهة بالسياسات الروسية.
الرئيس واللاعب المحترف
كان كافيلاشفيلي الذي ولد عام 1971 م، مهاجمًا إذ لعب بشكل ملحوظ في الدوري الإنجليزي الممتاز مع مانشستر سيتي وفي الدوري السويسري الممتاز مع جراسهوبرز وزيوريخ ولوسيرن وسيون وآراو وبازل، كما لعب مع دينامو تبليسي وسبارتاك فلاديكافكاز، حيث لعب 46 مباراة مع منتخب جورجيا وسجل تسعة أهداف.
انتقل إلى السياسة في عام 2016، وانتخب عضوًا في برلمان جورجيا في حزب الحلم الجورجي، قبل أن يغادر لإنشاء منظمة تابعة للحزب الحاكم، قوة الشعب، والتي لا تعتبر مستقلة إلا اسميًا عن الحلم الجورجي.
في 27 نوفمبر 2024، رشح حزب الحلم الجورجي الحاكم كافيلاشفيلي كمرشح لرئاسة جورجيا، وفي 14 ديسمبر 2024، انتُخب رئيسًا لجورجيا، في عملية اعتبرها المتظاهرون "غير شرعية"، حيث حصل كافيلاشفيلي على 99.55٪ من الأصوات الانتخابية المدلى بها ولم يترشح أي مرشح آخر بسبب مقاطعة المعارضة.
الانقسام حول الغرب وروسيا
شهدت جورجيا أخيرًا توترًا متزايدًا حول مسارها السياسي، ففي حين كانت البلاد تطمح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قرر الحزب الحاكم تعليق هذه العملية حتى عام 2028. أثار القرار موجة غضب شعبي واحتجاجات عارمة أمام البرلمان، قوبلت باستخدام القوة من قبل الشرطة، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
من جهة أخرى، عبّر كافيلاشفيلي عن موقفه المناهض للغرب في أكثر من مناسبة. في تصريحاته، اتهم وكالات الاستخبارات الغربية بمحاولة دفع جورجيا إلى مواجهة مع روسيا، وهو خطاب يتماشى مع سياسات حزبه الجديدة المناوئة للتأثير الأجنبي.
قانون العملاء الأجانب
كان كافيلاشفيلي من أبرز داعمي قانون مثير للجدل يقضي بتسجيل المنظمات التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج كـ"عملاء أجانب". هذا القانون، المستوحى من التشريعات الروسية، أثار استنكارًا دوليًا واسعًا، ووفقًا لوكالة "أسوشيتد برس"، فإن هذه الخطوة تعد محاولة لتقييد الحريات الديمقراطية وتشويه سمعة المعارضة. وردًا على ذلك، علّقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهما المالية لجورجيا، ما زاد من عزلة البلاد عن حلفائها الغربيين.
وتفاقمت الأزمة في جورجيا بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاز فيها حزب الحلم الجورجي. اتهمت المعارضة، بقيادة الرئيسة المنتهية ولايتها سالوما زورابيشفيلي، الحكومة بتزوير الانتخابات بمساعدة روسيا.
وأعلنت زورابيشفيلي رفضها الاعتراف بنتائج الانتخابات، معتبرة البرلمان الحالي غير شرعي. كما دعت الدول الغربية لدعم الاحتجاجات والمطالبة بإجراء انتخابات جديدة.
الاتحاد الأوروبي: طموحات معلقة
في ديسمبر 2023، حصلت جورجيا على وضع "مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، إلا أن البرلمان بقيادة الحزب الحاكم سنَّ قوانين تقيد الحريات، مثل قانون التأثير الأجنبي. هذه الإجراءات أدت إلى تجميد عملية الانضمام وفرضت عزلة دولية على جورجيا، ما جعل مستقبل البلاد في الاتحاد الأوروبي غامضًا.
مع تولي كافيلاشفيلي الرئاسة، تجد جورجيا نفسها على مفترق طرق سياسي. هل سيقود البلاد نحو نموذج استبدادي شبيه بروسيا؟ أم ستتمكن المعارضة، بدعم من الغرب، من إعادة توجيه البوصلة نحو الديمقراطية والقيم الأوروبية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن جورجيا تمر بأحد أكثر فصولها السياسية إثارةً وتعقيدًا.