تواجه الحكومة الفرنسية بقيادة ميشيل بارنييه معضلة متزايدة تتمثل في تحقيق هدفها بخفض العجز العام إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، وهو هدف يبدو أكثر هشاشة في ظل الأزمات الاقتصادية الراهنة.
وفي هذا الصدد، أكدت صحيفة ليزيكو الفرنسية أن العوائق أمام تحقيق هذا الهدف تزداد تعقيدًا بسبب التباطؤ الاقتصادي وتفاقم الخلافات داخل الحكومة بشأن الضرائب على الشركات وتكلفة العمالة.
فجوة مالية
بحسب "ليزيكو"، تواجه فرنسا فجوة مالية ناتجة عن عوامل متعددة، أبرزها ضعف النمو الاقتصادي وتراجع العائدات الضريبية، وعلى رأس قائمة المشكلات المالية تأتي الضرائب المرتبطة بالكهرباء والطاقة،التي أصبحت عبئاً يثقل كاهل الحكومة.
ورغم محاولات حكومة بارنييه لتعزيز الإيرادات عبر زيادات ضريبية محدودة، قوبلت مثل هذه القرارات بموجة انتقادات واسعة من المواطنين الذين يرونها استهدافاً للطبقة المتوسطة، ومن المعارضة التي تعتبرها خطوة تقود إلى مزيد من التدهور الاقتصادي.
ويجد أنطوان أرماند وزير الاقتصاد وزارة الاقتصاد، نفسه أمام معضلة مزدوجة، فمن جهة يسعى للحفاظ على التزاماته أمام الاتحاد الأوروبي بشأن الانضباط المالي، ومن أخرى يواجه تزايد الرفض الشعبي لهذه السياسات.
وأوضحت "ليزيكو" أن الحكومة باتت تعتمد أكثر على تأجيل القرارات المالية الحساسة، على أمل أن يتحسن النمو الاقتصادي خلال العام المقبل.
تصاعد الخلافات داخل الحكومة
داخل أروقة الحكومة، بدأت الانقسامات في الظهور بشكل واضح، وسلطت ليزيكو الضوء على النزاعات بين وزيري الاقتصاد أنطوان أرماند والميزانية لوران سانت مارتن، فالأول حذر بشدة من العواقب المحتملة لأي زيادات جديدة في الضرائب، معتبرًا أن إضافة أعباء ضريبية على الشركات والرواتب "سيضع الاقتصاد الفرنسي في مأزق يصعب الخروج منه".
فيما يرى وزير الميزانية أن الحل يكمن في اتخاذ خطوات حازمة لزيادة الموارد المالية، حتى وإن تطلب ذلك قرارات صعبة.
لكن هذا الخلاف يعكس بوضوح حالة الانقسام في الرؤية الاقتصادية بين أعضاء الحكومة، ما يهدد بعرقلة عملية صنع القرار.
ناقوس خطر
الجدل حول الضرائب لم يقتصر على الحكومة فحسب، بل امتد إلى أوساط الشركات الفرنسية الكبرى التي عبرت عن قلقها من التداعيات السلبية لهذه السياسات.
ووفقاً لما أكدت غرفة التجارة الفرنسية للصحيفة الفرنسية، فإن زيادة الضرائب ستؤدي إلى تراجع تنافسية الشركات الفرنسية على المستوى الدولي، وربما تدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى مغادرة السوق الفرنسي.
أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة صناعية كبرى عبّر عن مخاوفه قائلًا: "فرنسا كانت دائمًا وجهة جذابة للاستثمارات، لكننا نواجه الآن وضعًا غير مسبوق قد يدفعنا لإعادة التفكير في خططنا المستقبلية".
خيارات محدودة
رغم المخاوف المتزايدة، تحاول حكومة بارنييه إبقاء بعض الخيارات مفتوحة، ومن بين المقترحات التي ناقشتها، تأجيل زيادات الضرائب على الكهرباء والطاقة حتى منتصف العام المقبل، مع التركيز على تحسين الكفاءة الضريبية بدلًا من زيادة النسب الحالية.
ومع ذلك، أكدت ليزيكو أن هذه الحلول المؤقتة لن تكون كافية لتهدئة الغضب الشعبي أو لحل الأزمة المالية على المدى الطويل، إذ إن الأسواق تنتظر رؤية إجراءات أكثر شمولية واستراتيجيات واضحة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي.
وختمت ليزيكو بالإشارة إلى أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل الاقتصاد الفرنسي، فالقرارات التي ستتخذها الحكومة خلال الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كانت فرنسا قادرة على الوفاء بالتزاماتها أم أنها ستواجه موجة جديدة من الأزمات الاقتصادية والسياسية.
ومع اقتراب موسم الأعياد، تتزايد التوقعات بأن الحكومة ستؤجل بعض القرارات الكبرى لتجنب التصعيد الشعبي، إلا أن هذا التأجيل قد يفاقم المشكلات بدلًا من حلها.