نجحت المعارضة في الجمعية الوطنية الفرنسية في تمرير مجموعة واسعة من الضرائب الجديدة ضمن ميزانية 2025، متحدية بذلك إرادة الحكومة الفرنسية، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن تفاصيل المعركة البرلمانية التي دارت رحاها في سباقٍ محمومٍ مع الزمن، لإقرار الجزء المتعلق بالإيرادات في الميزانية قبل منتصف الليل.
معركة الضرائب في البرلمان الفرنسي
شهدت أروقة الجمعية الوطنية الفرنسية نقاشات حادة ومطولة حول حزمة الضرائب الجديدة، حيث نجح تحالف غير مسبوق بين اليسار، متمثلًا في حركة فرنسا الأبية، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، في فرض رؤيتهم على المشهد الاقتصادي الفرنسي.
وأوضحت ليبراسيون أن التحالف نجح في تمرير عدة تعديلات جوهرية على الميزانية، كان أبرزها فرض ضريبة بنسبة 10% على عمليات إعادة شراء الأسهم من قبل الشركات، في خطوة تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل أكثر توازنًا.
وفي تفاصيل القرارات التي تم تمريرها، كشفت الصحيفة الفرنسية عن موافقة النواب على مقترح تقدم به رئيس لجنة المالية، إريك كوكيريل، من حركة فرنسا الأبية، يهدف إلى تعزيز فعالية الضريبة على المعاملات المالية من خلال توسيع قاعدتها وزيادة معدلها.
كما تضمن القرار تكليف المديرية العامة للمالية العامة بمسؤولية تحصيل هذه الضريبة، في خطوة تهدف إلى ضمان تنفيذ أكثر صرامة للإجراءات الضريبية.
تحديات عصر التكنولوجيا
في إطار التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي، أشار تقرير ليبراسيون إلى أن البرلمان الفرنسي اتخذ خطوات جريئة في مواجهة التحديات التكنولوجية والبيئية، إذ صوت النواب لصالح رفع الضريبة المفروضة على شركات التكنولوجيا العملاقة المعروفة باسم "جافام" من 3% إلى 5%، في خطوة تعكس إجماعًا نادرًا بين مختلف القوى السياسية على ضرورة تنظيم أفضل لعمل هذه الشركات وضمان مساهمتها العادلة في الخزينة الفرنسية.
وامتد التوجه الإصلاحي ليشمل القضايا البيئية والاجتماعية، إذ تم إقرار ضريبة كيلومترية جديدة بهدف "التناغم البيئي"، إضافة إلى فرض غرامات على المركبات ثنائية وثلاثية العجلات التي تتجاوز المستويات المقبولة من الضجيج.
كما شمل التصويت فرض ضريبة تمثل 3% من إجمالي الرواتب على الشركات التي لا تلتزم بقانون كوبيه-زيمرمان الخاص بتمثيل المرأة في المناصب القيادية، في خطوة تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في عالم الأعمال.
تداعيات سياسية واقتصادية
كشفت "ليبراسيون" عن تداعيات سياسية عميقة لهذه التطورات، إذ أظهرت المناقشات انقسامًا حادًا داخل المعسكر الحكومي، خاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة والتجنيس.
وتجلى هذا الانقسام بوضوح في النقاشات الحادة حول التعديلات المقترحة لزيادة رسوم طلبات التجنيس وتصاريح الإقامة، حيث أثارت هذه المقترحات جدلًا واسعًا وكشفت عن خلافات عميقة حول السياسات الهجرة في فرنسا.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه التطورات تأتي في وقت حساس، مع اقتراب موعد مناقشة قانون الهجرة الجديد الذي تعتزم حكومة بارنييه طرحه. وأظهرت المناقشات البرلمانية مدى صعوبة التوصل إلى توافق حول هذه القضايا الحساسة، خاصة مع تزايد الاستقطاب السياسي في المجتمع الفرنسي.
وحسب تحليل الصحيفة الفرنسية، فإن هذه التطورات تشير إلى تحول جوهري في المشهد السياسي الفرنسي، إذ أصبحت المعارضة قادرة على تشكيل تحالفات غير تقليدية لتمرير تشريعات اقتصادية مهمة.
ويُمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي في المستقبل القريب، خاصة مع تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.