تُواجه فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، تحديات اقتصادية متزايدة مع اقتراب نهاية عام 2024، إذ تتصاعد المخاوف بشأن مستقبل تصنيفها الائتماني وقدرتها على السيطرة على عجز الموازنة المتفاقم، في هذا الصدد تكشف صحيفة "لوموند" الفرنسية عن تفاصيل الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.
تحذيرات غير مسبوقة وضغوط متزايدة
كشفت صحيفة لوموند عن موقف حرج للغاية يواجه الاقتصاد الفرنسي، حيث أصدرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تحذيرًا جديًا في نهاية شهر أكتوبر.
وعلى الرغم من احتفاظ فرنسا بتصنيفها الائتماني عند مستوى Aa2، إلا أن الوكالة وضعت نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد الفرنسي، مما يشير إلى احتمال خفض التصنيف في المستقبل القريب.
وتأتي هذه التطورات في خضم مناقشات برلمانية حادة حول مشروع ميزانية 2025، حيث تتصاعد المخاوف من تعثر المفاوضات وعدم القدرة على التوصل إلى توافق يضمن استقرار المالية العامة الفرنسية.
أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد
يواجه الاقتصاد الفرنسي مجموعة معقدة من التحديات، إذ يشهد سوق العمل تباطؤًا ملحوظًا يثير قلق المراقبين الاقتصاديين، وتشير المعطيات التي كشفت عنها لوموند إلى تراجع حاد في مناخ الأعمال، خاصة في القطاع الصناعي الذي يعتبر عمودًا فقريًا للاقتصاد الفرنسي.
ويتزامن هذا التراجع مع انخفاض ملحوظ في مستويات الاستهلاك وتدهور في ثقة المستهلكين الفرنسيين؛ مما يشكل ضغطًا إضافيًا على النمو الاقتصادي.
وما يزيد الوضع تعقيدًا تأثر الصناعة الفرنسية بشكل مباشر بالتباطؤ الاقتصادي الذي تشهده ألمانيا، الشريك التجاري الرئيسي لفرنسا، مما يضاعف من حدة التحديات الاقتصادية.
عجز الموازنة يصل إلى مستويات حرجة
تكشف الأرقام التي نشرتها صحيفة لوموند عن وضع مقلق للغاية في المالية العامة الفرنسية، حيث وصل العجز في الموازنة العامة إلى مستوى قياسي يبلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الوقت نفسه، ارتفع الدين العام إلى مستوى غير مسبوق بلغ 112% من الناتج المحلي؛ مما يضع ضغوطًا هائلة على الاقتصاد الفرنسي.
وتسعى حكومة ميشيل بارنييه جاهدة لتحقيق هدف طموح، يتمثل في خفض العجز إلى 5% بحلول عام 2025، وهو هدف يراه الخبراء الاقتصاديون والمؤسسات المالية الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي، صعب المنال في ظل الظروف الحالية.
تداعيات خطيرة في أسواق السندات
يشهد سوق السندات الفرنسية تطورات تعكس عمق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الفرنسي، إذ كشفت صحيفة لوموند عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار الفائدة على السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات، حيث تجاوزت معدلات الفائدة الفرنسية نظيرتها في دول جنوب أوروبا، مثل البرتغال وإسبانيا، واقتربت بشكل مقلق من المستويات الإيطالية.
ويعكس هذا التطور تزايد المخاوف في الأسواق المالية بشأن قدرة فرنسا على السيطرة على أوضاعها المالية، خاصة مع استمرار حالة عدم اليقين المحيطة بمناقشات الموازنة.
مخاطر التصنيف الائتماني والمستقبل الاقتصادي
تقف فرنسا اليوم في موقف حرج للغاية، إذ تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن البلاد باتت على بُعد درجة واحدة فقط من فئة التصنيف A لدى اثنتين من أهم وكالات التصنيف العالمية، وهما ستاندرد آند بورز وفيتش.
ويمثل هذا الوضع تهديدًا خطيرًا للاقتصاد الفرنسي، إذ إن أي تخفيض إضافي للتصنيف سيؤدي إلى تداعيات وخيمة على قدرة فرنسا على الاقتراض من الأسواق المالية العالمية، كما سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في تكاليف خدمة الدين العام؛ مما سيضع ضغوطًا إضافية على الموازنة العامة ويحد من قدرة الحكومة على الإنفاق في المجالات الحيوية.