مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، يبرز الاقتصاد كقضية محورية قد تحدد مصير السباق الرئاسي، وتحتل شريحة الناخبين ذوي الأصول الإفريقية أهمية خاصة في هذه المعادلة، حيث يمكن لتوجهاتهم الانتخابية أن تقلب الموازين، في هذا الصدد تستعرض صحيفة نيويورك تايمز الواقع الاقتصادي لهذه الفئة من الناخبين وتأثيره المحتمل على نتائج الانتخابات القادمة، استنادًا إلى تحليل شامل نشرته الصحيفة .
يشهد الواقع السياسي الأمريكي معركة شرسة بين المرشحين الرئيسيين حول من يمتلك السجل الاقتصادي الأفضل للناخبين ذوي الأصول الإفريقية، فمن ناحية، يتباهى الرئيس السابق دونالد ترامب بإنجازاته الاقتصادية، مدعيًا تحقيق "أدنى معدل بطالة" و"أقل معدل فقر" لهذه الفئة خلال فترة رئاسته.
وفي المقابل، تشير البيانات الرسمية إلى تحسن هذه المؤشرات بشكل أكبر تحت إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن ونائبته كامالا هاريس.
وفقًا لتصريحات فاليري ويلسون، الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في قضايا التفاوت العرقي في منظمة EPI Action، فإن "العمال ذوي الأصول الإفريقية يتمتعون حاليًا بوضع أفضل مما كانوا عليه في عام 2019".
ويأتي هذا التصريح ليعزز موقف المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، خاصة مع الارتفاع الأخير في معدلات ملكية المنازل بين العائلات ذات الأصول الإفريقية وانخفاض معدل البطالة بينهم في سبتمبر الماضي.
أداء الاقتصاد الأمريكي
وبحسب تحليل أداء الاقتصاد الأمريكي خلال الإدارتين السابقتين، فخلال فترة حكم ترامب، استفاد الاقتصاد من زخم النمو الذي ورثه من إدارة أوباما.
ومع ذلك، تعرض لضربة قاسية مع تفشي جائحة كورونا في أوائل عام 2020، ما أدى إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة.
أما إدارة بايدن-هاريس، فتولت زمام الأمور في ظل اقتصاد متضرر ولكنه في طور التعافي السريع، ونجحت في تحقيق معدلات توظيف قياسية للعمال ذوي الأصول الإفريقية، حيث وصلت نسبة العاملين من هذه الفئة في سن العمل الرئيسي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
العدو الخفي للنمو الاقتصادي
رغم المؤشرات الإيجابية، إلا أن شبح التضخم يلقي بظلاله على المشهد الاقتصادي، إذ أشار استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة ناخبين من ذوي الأصول الإفريقية يصنفون الاقتصاد على أنه "مقبول" أو "سيئ".
ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع معدلات التضخم، ما أدى إلى تآكل المكاسب في الأجور وزيادة تكاليف المعيشة.
و كشفت الصحيفة عن أن أكثر من 70% من المستطلعين من ذوي الأصول الإفريقية اضطروا لتقليص نفقاتهم على المواد الغذائية؛ بسبب ارتفاع الأسعار، مع إشارة 56% منهم إلى أنهم يفعلون ذلك بشكل متكرر.
هذا الواقع يضع تحديًا كبيرًا أمام إدارة بايدن-هاريس في إقناع الناخبين بفعالية سياساتها الاقتصادية.
تباين الآراء حول الأداء الاقتصادي
تكشف الصحيفة الأمريكية عن تنوع ملحوظ في وجهات النظر بين الناخبين ذوي الأصول الإفريقية حول الأداء الاقتصادي للإدارات المتعاقبة، فعلى سبيل المثال، يرى كريستوفر أوينز (44 عامًا) من فينيكس أن الاقتصاد شهد انتعاشًا ملحوظًا تحت إدارة بايدن-هاريس. يقول أوينز: "بدأنا نرى المزيد من الأعمال التجارية المملوكة لذوي الأصول الإفريقية، خاصة خلال العامين الماضيين". واستفاد أوينز من السياسات الحكومية، بما في ذلك تعليق سداد قروض الطلاب، مما مكنه من توفير المال لإطلاق مشروعه الخاص.
من جانب آخر، يعبر أندريه موراي (34 عامًا) من أتلانتا عن وجهة نظر مختلفة، إذ يقول إنه استفاد اقتصاديًا خلال فترة إدارة ترامب، مشيرًا إلى انخفاض أسعار الوقود وانخفاض أسعار الفائدة آنذاك.
ومع ذلك، فإنه لا يحمّل إدارة بايدن-هاريس المسؤولية الكاملة عن ارتفاع تكاليف المعيشة الحالية، مُعترفًا بتعقيد الوضع الاقتصادي العالمي.
عامل حاسم في الانتخابات
تبرز نيويورك تايمز أهمية فئة الناخبين المترددين من ذوي الأصول الإفريقية في تحديد نتيجة الانتخابات، فعلى الرغم من أن غالبية هذه الفئة لا تزال تميل للتصويت للحزب الديمقراطي، إلا أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في نسبة التأييد مقارنة بالانتخابات السابقة.
وفقًا لاستطلاع الصحيفة، فإن حوالي 80% من الناخبين ذوي الأصول الإفريقية على المستوى الوطني قالوا إنهم سيصوتون لصالح هاريس.
وعلى الرغم من أن هذه النسبة تمثل زيادة عن الـ 74% الذين قالوا إنهم سيدعمون بايدن قبل انسحابه من السباق في يوليو، إلا أنها تظل أقل من الـ 90% من الأصوات التي حصل عليها بايدن في انتخابات 2020.
التحدي الكبير أمام الديمقراطيين
تُشير الصحيفة إلى أن التحدي الرئيسي أمام المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس يكمن في قدرتها على إلهام عدد كبير من الناخبين ذوي الأصول الإفريقية للمشاركة في الانتخابات.
وفقًا للبروفيسور كريستوفر تاولر من جامعة ولاية كاليفورنيا، الذي يدير مشروع "الناخب ذو الأصول الإفريقية"، فإن "هاريس أحدثت تغييرًا كبيرًا، سواء في الحماس أو في اختيار التصويت"، لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان هذا التغيير كافيًا لضمان إقبال كبير على صناديق الاقتراع.
ويضيف تاولر أن هاريس قد تحتاج إلى إلهام عدد كبير من الناخبين ذوي الأصول الإفريقية للمشاركة في الانتخابات، على غرار ما فعله الرئيس السابق باراك أوباما. إذ شهدت نسبة مشاركة هذه الفئة من الناخبين انخفاضًا حادًا في انتخابات 2016، بعد فترتي رئاسة أوباما، قبل أن ترتفع قليلًا في انتخابات 2020.