شهدت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية توترًا غير مسبوق خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن وقف تسليح إسرائيل، مما أثار ردود فعل غاضبة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما دعا صحيفة لوموند الفرنسية لتسليط الضوء على تفاصيل هذه الأزمة الدبلوماسية وتداعياتها على العلاقات بين البلدين والوضع في الشرق الأوسط.
تصريحات ماكرون المثيرة للجدل
في خطوة مفاجئة أثارت جدلًا واسعًا، قال "ماكرون" يوم السبت لإذاعة "فرانس إنتر": "أعتقد أن الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، وأن نتوقف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل لشن المعارك في غزة." هذا التصريح، الذي نقلته صحيفة لوموند الفرنسية، يعد تحولًا كبيرًا في الموقف الفرنسي تجاه الصراع الدائر حاليًا في غزة ولبنان.
لم يأتِ تصريح ماكرون من فراغ، بل جاء في سياق تصاعد القلق الدولي إزاء الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، فمنذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، تعالت الأصوات المنادية بضرورة وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي للأزمة، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وعكس موقف ماكرون هذا القلق المتزايد، مشيرًا إلى أن استمرار تدفق الأسلحة إلى إسرائيل قد يؤدي إلى تفاقم الوضع بدلًا من حله.
رد فعل نتنياهو العنيف
لم يمر تصريح ماكرون مرور الكرام في تل أبيب، إذ رد "نتنياهو" بحدة غير معهودة في الخطاب الدبلوماسي بين الحلفاء، وفقًا للصحيفة، وقال في خطاب له مساء السبت: "يدعو الرئيس ماكرون وقادة غربيون آخرون الآن إلى فرض حظر على الأسلحة الموجهة إلى إسرائيل. (...) عار عليهم! (...) ستنتصر إسرائيل بدعمهم أو بدونه. لكن العار الذي يلحق بهم سيبقى حتى بعد أن تنتهي هذه الحرب."
هذا الرد العنيف من نتنياهو يعكس حساسية إسرائيل الشديدة تجاه أي انتقادات دولية لعدوانها العسكري على غزة، كما يشير إلى توتر متزايد في العلاقات مع الحلفاء الغربيين، الذين بدأوا في التعبير عن قلقهم بشكل أكثر صراحة إزاء الأساليب العسكرية الإسرائيلية.
محاولات احتواء الأزمة
في محاولة لتهدئة التوتر المتصاعد، أجرى ماكرون ونتنياهو مكالمة هاتفية يوم الأحد، وصفت الرئاسة الفرنسية المحادثة بأنها كانت "صريحة تمامًا"، وهو وصف دبلوماسي يشير عادة إلى وجود خلافات حادة، بحسب "لوموند".
خلال المكالمة، حاول ماكرون الموازنة بين مواقفه المختلفة، فمن ناحية، أكد التزام فرنسا "الثابت" بأمن إسرائيل، وهو موقف تقليدي للدبلوماسية الفرنسية. ومن ناحية أخرى، شدد على ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان، مشيرًا إلى أن توريد الأسلحة لا يمكن أن "يحقق الأمن الذي يتوقعه الإسرائيليون".
هذه المحاولة للموازنة تعكس التحدي الذي تواجهه فرنسا وغيرها من الدول الغربية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، فهي من جهة تريد الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع إسرائيل، ومن جهة أخرى تشعر بضرورة الاستجابة للضغوط الداخلية والدولية للتدخل من أجل وقف العنف، وفقًا لوصف الصحيفة.
موقف نتنياهو الثابت والسياق الإقليمي المعقد
رغم محاولات التهدئة، بدا أن نتنياهو مُصر على موقفه، إذ ذكر بيان صادر عن مكتبه أنه في الظروف الحالية "كان من المتوقع الحصول على دعم أصدقاء إسرائيل، بدلًا من رؤيتهم يفرضون قيودًا تشكل دعمًا للمحور الإيراني."
هذا الموقف المتطرف من نتنياهو يأتي في سياق إقليمي معقد للغاية، إذ أشار إلى أن دولة الاحتلال تواجه حاليًا "سبع جبهات"، تمتد من غزة إلى لبنان مرورًا باليمن والضفة الغربية، هذا التعقيد في المشهد الإقليمي يزيد من صعوبة الموقف الدبلوماسي لفرنسا وحلفائها الغربيين.