سلطت "بوليتيكو" الأمريكية، الضوء على الأزمة السياسية التي واجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ شهدت فرنسا في الأشهر الأخيرة أحداثًا سياسية متسارعة كادت أن تطيح به، بعد خسارة حزبه الانتخابات، وحل البرلمان، ودخول البلاد في أزمة تشكيل حكومة استمرت لأسابيع.
ومع ذلك، كما تشير "بوليتيكو"، استطاع ماكرون البقاء في منصبه، لكن بثمن سياسي باهظ.
صيف ساخن في القصر الرئاسي الفرنسي
تصف "بوليتيكو" الصيف الذي عاشه القصر الرئاسي الفرنسي بأنه كان مليئًا بالتحديات والأزمات السياسية، إذ تشير الصحيفة إلى أن خسارة ماكرون لانتخابات مهمة في البداية دفعته إلى اتخاذ قرار مفاجئ بحل البرلمان، مما أدى إلى دخول حلفائه في معركة انتخابية جديدة دون استعداد كافٍ.
وفقًا للتقرير، نتج عن ذلك خسارة حزب ماكرون "النهضة" لعشرات المقاعد البرلمانية لصالح أحزاب اليسار واليمين المتطرف، وهو ما اعتبرته "بوليتيكو" ضربة قوية لماكرون وحلفائه، حيث أضعفت موقفهم السياسي بشكل كبير.
ماكرون يناور للبقاء في السلطة
رغم هذه النكسات المتتالية، تشير "بوليتيكو" إلى أن ماكرون أظهر قدرة كبيرة على المناورة السياسية. وتشير الصحيفة إلى أن الخطوة الأهم التي اتخذها ماكرون هي تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء.
وتصف "بوليتيكو" بارنييه بأنه شخصية سياسية محنكة ومحافظة، كان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف خروج بريطانيا من الاتحاد، وترى الصحيفة أن هذا الاختيار أظهر رغبة ماكرون في الحفاظ على توجهه الإصلاحي الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بقضية رفع سن التقاعد المثيرة للجدل.
ثمن باهظ للنجاة السياسية
لكن نجاة ماكرون السياسية جاءت بتكلفة عالية، إذ تشير الصحيفة إلى تعرض معسكره السياسي لأضرار بالغة، يصعب إصلاحها على المدى القريب، بعد أن انقلب حلفاء رئيسيون عليه، متهمين إياه بتدمير الائتلاف الحاكم.
صورت الصحيفة وزراء ماكرون وهم في حالة صدمة بعد قراره المفاجئ بالدعوة لانتخابات مبكرة أصبحت رمزًا لحالة الارتباك والفوضى التي سادت المشهد السياسي الفرنسي.
ضعف ماكرون يظهر للعيان
مع تراكم الأزمات، بدأت علامات الضعف تظهر على موقف ماكرون السياسي، هذا الضعف لم يقتصر على الساحة المحلية فقط، بل امتد إلى العلاقات الأوروبية أيضًا.
اضطر ماكرون للتراجع في مواجهة مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، حول اختيار مفوض فرنسا في الاتحاد الأوروبي.
كما اضطر ماكرون للتخلي عن مرشحه المفضل، على أمل الحصول على منصب أفضل لفرنسا في المفوضية الأوروبية، إلا أن النتيجة كانت عكسية، حيث انتهى الأمر بفرنسا بنفوذ أقل مما كانت عليه سابقًا في المؤسسات الأوروبية.
نهاية حقبة سياسية جديدة
يثير تعيين بارنييه رئيسًا للوزراء تساؤلات حول مستقبل النهج السياسي الذي تبناه ماكرون منذ وصوله إلى السلطة، إذ وعد ماكرون في البداية بتقديم نموذج سياسي جديد يتجاوز الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار.
لكن اختيار بارنييه، وهو سياسي مخضرم ينتمي إلى التيار المحافظ التقليدي، يبدو وكأنه تراجع عن هذا الوعد، فبدلًا من الثورة السياسية التي وعد بها، يبدو أن ماكرون عاد إلى الاعتماد على الوجوه السياسية التقليدية للبقاء في السلطة.
ماكرون يفقد بريقه السياسي
عندما وصل ماكرون إلى السلطة، قدم نفسه كرئيس يعلو فوق الصراعات السياسية اليومية، ويحكم من خلال رؤية شاملة للبلاد، إلا أن الأزمات المتتالية أجبرته على الانخراط في تفاصيل السياسة اليومية والمساومات الحزبية.
هذا التحول في أسلوب حكم ماكرون جعله يبدو، في نظر البعض، كسياسي تقليدي يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن، وهو ما يمثل تراجعًا كبيرًا عن الصورة التي حاول رسمها لنفسه كزعيم تجديدي وإصلاحي.
تحديات مستقبلية ومصير غامض
رغم نجاح ماكرون في تجاوز الأزمة الحالية، إلا أن المستقبل لا يزال يحمل الكثير من التحديات، إذ خرج معسكره السياسي من هذه الأزمة أضعف مما كان عليه.
في المقابل، استفادت أحزاب المعارضة، خاصة اليسار واليمين المتطرف، من هذه الأزمة لتقوية موقفها.