الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مَنْ يفوز في الانتخابات الرئاسية الموزمبيقية 2024؟

  • مشاركة :
post-title
المرشحون للانتخابات الرئاسية 2024 في موزمبيق (تشابو، موندلين، سيمانجو، مومادي)

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

تُجرَى الانتخابات الرئاسية في موزمبيق الأربعاء المقبل 9 أكتوبر 2024 في مقاطعة كابو ديلجادو؛ لتصبح هذه الانتخابات مُفترقًا حاسمًا في مسار البلاد السياسي، فهذه الانتخابات ليست مجرد تمرين ديمقراطي روتيني، بل ساحة للتنافس بين عدد من المرشحين البارزين على منصب الرئاسة، ويتصدر المشهد الانتخابي مرشحو الأحزاب الكبرى، مثل تشابو من حزب جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) الحاكم، الساعي إلى ترسيخ سلطته الممتدة منذ الاستقلال، ومومادي من المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) التي تطرح نفسها كبديل يسعى إلى إحداث تغيير جذري في البلاد، بالإضافة إلى مرشحَيْن آخرَيْن هما لوتيرو سيمانجو من الحركة الديمقراطية الشعبية، والمرشح المستقل فينانشيو موندلين.

وبحسب بيانات اللجنة الوطنية للانتخابات، من المقرر أن يدلي نحو 17 مليون ناخب من أصل 31 مليون نسمة في البلاد بأصواتهم في الانتخابات التي سينتخب فيها الموزمبيقيون رئيسًا جديدًا وأعضاءً في البرلمان وممثلي المقاطعات، ويتنافس على الانتخابات التشريعية والإقليمية 37 حزبًا سياسيًا، لكن 5 أحزاب فقط هي النشطة لدعمها المرشحين الرئاسيين، ومن المقرر الإعلان عن النتائج الرسمية المعتمدة بعد 15 يومًا من انتهاء عملية التصويت.

في ضوء ما تم استعراضه من معطيات، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: مَن سيفوز بالانتخابات الرئاسية في موزمبيق 2024؟

المرشحون المتنافسون

تتضمن الانتخابات الرئاسية في موزمبيق عدة مرشحين يمثلون الأحزاب السياسية، هم:

(*) دانييل فرانسيسكو تشابو: اختارت اللجنة المركزية لجبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) دعم دانييل تشابو، حاكم مقاطعة إنهامباني مرشحًا في الانتخابات الرئاسية للعام الجاري، وجاء قرار اختياره بعد تصويت داخلي خلال الاجتماع الاستثنائي للجنة، إذ حصل على 225 صوتًا من أصل 254 صوتًا أي بنسبة (94.1%).

وتشابو، البالغ من العُمر 47 عامًا المرشح عن حزب فريليمو الحاكم، درس القانون وتخرج في جامعة إدواردو موندلين عام 2000، وواصل مسيرته الأكاديمية في إدارة التنمية، وعمل أستاذًا للقانون الدستوري، ومذيعًا في راديو ميرامار، وشغل عدة مناصب إدارية منها مدير منطقة بالما، وهو أول مرشح ينتمي إلى المنطقة الوسطى من موزمبيق.

(*) أوسوفو مومادي: أعلن الحزب المعارض الرئيسي في موزمبيق (رينامو) أن أوسوفو مومادي، البالغ من العمر 63 عامًا، سيكون مرشح الحزب للرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ووفق تصريحات المتحدث باسم الحزب خوسيه مانتيجاس، تم انتخاب مومادي بالإجماع خلال المؤتمر الحزبي، وسبقَ أن ترشَّح مومادي للرئاسة في انتخابات 2019، وحلّ بالمركز الثاني بنسبة 22% أمام الرئيس الحالي فيليبي نيوسي، ممثل حزب فريليمو بنسبة 73% من الأصوات، كما أن مومادي رئيس حزب رينامو منذ عام 2019. وفي الانتخابات الداخلية للحزب لاختيار المرشح للرئاسة 2024، حصل مومادي على 382 صوتًا من أصل 710 من أعضاء الحزب المسجلين أمام 8 مرشحين آخرين.

(*) لوتيرو سيمانجو: هو ابن مؤسس ونائب رئيس حزب فريليمو "أوريا سيمانجو" الراحل، ويتولى قيادة حزب الحركة الديمقراطية الشعبية منذ وفاة شقيقه "دافيز سيمانجو" عام 2021، والذي ترشح قبل عامين أيضًا للرئاسة بدعم من الحركة الديمقراطية الشعبية، ثالث أكبر حزب في موزمبيق، ويدير الحزب بعض المدن المهمة التي تسيطر عليها المعارضة، لكنه لم يتمكن من تحقيق أكثر من 10% من الأصوات على المستوى الوطني في أي انتخابات، ويلتزم سيمانجو بتحقيق "الحكم الرشيد" الذي طبقه في مدينة بيرا.

(*) فينانشيو موندلين: هو المرشح المستقل الذي يُعد أحد أبرز الوجوه الصاعدة في السياسة الموزمبيقية، ويبلغ من العمر 50 عامًا، ويحظى بشعبية واسعة بين فئة الشباب، وكان موندلين عضوًا سابقًا في حركة المقاومة الموزمبيقية (رينامو) قبل أن ينسحب منها هذا العام؛ ليترشح للرئاسة بدعم من ائتلاف التحالف الديمقراطي. ومع ذلك، ألغى المجلس الانتخابي في موزمبيق في أغسطس الماضي تسجيل التحالف، ما أتاح لموندلين الفرصة لخوض السباق الرئاسي مستقلًا. وفي العام الماضي، خاض موندلين الانتخابات مرشحًا عن رينامو لمنصب عمدة مابوتو، لكن فاز فريليمو وسط اتهامات بالتلاعب. ناهيك عن استبعاد ترشيح موندلين لقيادة الحزب في الانتخابات البلدية التي جرت في أكتوبر الماضي؛ بسبب عدم استيفائه لمتطلبات الملف الشخصي المحددة من قبل هيئات الحزب.

لذا، ستكون المنافسة بين المرشحين الأربعة المذكورين، مع عدم ترشُح الرئيس الحالي "فيليب نيوسي" لولاية أخرى؛ لأنه بلغ الحد الدستوري الذي يسمح له بالبقاء في منصبه لفترتين رئاسيتين.

الحملات الانتخابية

في 24 أغسطس الماضي، انطلق موسم الحملة الانتخابية بقيام الأحزاب السياسية على الفور بنشر فرقها في 11 محافظة لبيع برامجها الانتخابية، وسعى المرشحون الأربعة لتقديم الكثير من العهود للشعب الموزمبيقي، حيث:

(*) حملة تشابو: كانت الحملة الانتخابية لتشابو في إحدى ضواحي مابوتو تحت شعار "أنقِذوا موزمبيق، هذا البلد مِلكُنا"، إذ وعد بإنشاء حكومة نزيهة وشفافة، وإخراج موزمبيق من قائمة أفقر الدول في العالم، مُعرِبًا عن رغبته في إنهاء نظام الدولة الحزبية، وتوجيه الموارد المستغلة في المحافظات إلى مشروعات تنموية تعود بالنفع على تلك المناطق. كما أكد تشابو على أنه الرجل المناسب لعكس الأوضاع الاقتصادية، وتحقيق آمال الشعب، مع إصدار قوانين تُحسّن بيئة الأعمال لجذب المستثمرين، كما وعد بتحسين البنية التحتية للطرق، فضلًا عن تمديد إمدادات المياه والهواتف المحمولة.

(*) حملة مومادي: بدأ أوسوفو مومادي، مرشح حزب رينامو للرئاسة، حملته الانتخابية ببطء، إذ تأخر في انطلاقته للحملة أسبوعًا عن بقية المرشحين، مفضلًا قضاء الوقت في مسقط رأسه في مقاطعة نامبولا، واعتمد مومادي في حملته على استخدام "المكنسة" كرمز لطرده المسؤولين الفاسدين، مشددًا على ضرورة أن يكون القادة قدوة لأتباعهم، كما تتضمن خطته إنشاء ثلاث عواصم في موزمبيق، وإعادة الصناعات الكبرى التي كانت تعمل في السابق في البلاد، مع إعادة التفاوض على عقود استغلال المعادن والنفط لتعزيز الاقتصاد.

(*) حملة سيمانجو: تعهد لوتيرو سيمانجو بإنشاء صناعة وطنية للأدوية وتنفيذ تخفيضات ضريبية إذا تم انتخابه، متهماً حزب فريليمو الحاكم بتعطيل الصناعة المحلية من خلال الاعتماد على استيراد الأدوية. وفي تجمع حاشد في مدينة بيرا، قال "سيمانجو" إنه سيسعى لتقليل ضريبة القيمة المضافة من 16 إلى 14% لتخفيف تكاليف الوقود والأسعار الأساسية، وتعهد بتعيين مزيد من الأطباء في القطاع الصحي وتحسين أوضاع التعليم من خلال تقليل عدد الطلاب في الفصول. كما أشار إلى أهمية معالجة المواد الخام محليًا لخلق فرص عمل، مستهدفًا مكافحة الجريمة من ضمن أولويات برنامجه الانتخابي.

(*) حملة موندلين: عاد فينانسيو موندلين إلى مابوتو بعد ثلاثة أسابيع من حملته في المقاطعات الشمالية والوسطى، معبّرًا عن سعادته بالاستقبال الإيجابي لرسالته حتى في المناطق النائية. وفي الوقت نفسه، يواجه موندلين تحقيقًا من مكتب المدعي العام حول استخدامه لغة وُصفت بأنها "غير لائقة" في حملته، رغم أن المصطلح المستخدم، لا يعد سيئًا.

من جهته، انتقد سيمانجو، زعيم حركة موزمبيق الديمقراطية، حكومات جبهة تحرير موزمبيق السابقة واتهمها بإهمال مناطق مثل مانيكا، متعهداً بتوفير فرص عمل وإنهاء التمييز السياسي في مجالات مثل التعليم. وتزعم الشرطة أن موندلين انتهك القانون ببدء حملته بعد الساعة التاسعة مساءً، وهو الوقت الذي من المفترض أن تنتهي فيه الحملة الانتخابية.

سيناريوهات المشهد الانتخابي

من خلال متابعة السياسة الموزمبيقية، والتعرُف على المرشحين وحملاتهم الانتخابية لرئاسة موزمبيق، هناك عدة سيناريوهات محتملة لما قد يحدث بعد الانتخابات، تتمثل في:

(*) فوز "دانييل تشابو": هناك إجماع على أن تشابو هو الأوفر حظًا للفوز في الانتخابات، ما يتيح فرصة مهمة لأصحاب المصالح للتأثير في سياسته تجاه منطقة كابو ديلجادو، خاصًة أن رؤساء موزمبيق معروفون بتقليدهم في تغيير نهجهم بشأن القضايا الرئيسية عند توليهم السلطة، وأكد تشابو رغبته في الاستثمار والنمو الاقتصادي. وتشير تجربة تشابو كنازح في طفولته، وسمعته في تحسين حياة الناس خلال فترة ولايته كحاكم، إلى استعداده الجاد للتعامل مع القضايا الرئيسية التي تُغذي التمرد. لذا، يُعد هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا.

(*) فوز "أوسوفو مومادي": إذا فاز مومادي ممثل حزب رينامو، وإذا تمكن من استقطاب الناخبين الناقمين على حكم فريليمو في مناطق وسط موزمبيق سيشكل ذلك تحولًا تاريخيًا بانتقال الحكم لأول مرة من حزب فريليمو الحاكم إلى المعارضة منذ استقلال البلاد، ومن ثم قد تشهد موزمبيق تغييرات جوهرية كالسعي لإنهاء التمرد في الشمال، مع تطبيق إصلاحات ديمقراطية جديدة. لكن، سيواجه مومادي مقاومة قوية من حزب فريليمو، وتحديات في إدارة التوقعات العالية من الشعب. ورغم تاريخ حزب رينامو كحركة مقاومة في موزمبيق، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق فوز رئاسي حتى يومنا هذا، ما يجعل هذا السيناريو ممكنًا لكن يتطلب حملة قوية ناجحة من مومادي.

(*) جولة إعادة بين تشابو وأحد المنافسين: إذا لم يتمكن أي مرشح من الحصول على الأغلبية في الجولة الأولى، يمكن أن تحدث جولة إعادة بين تشابو وأحد المنافسين (غالبًا مومادي أو موندلين)، وسيكون في هذه الحالة هناك فرصة لكليهما لكسب دعم المعارضة والناخبين الساخطين على حكم فريليمو، لكن يبقى التحدي الأكبر في توحيد المعارضة والتحالفات السياسية في ظل منافسة شرسة بين الأحزاب.

(*) رفض المعارضة لنتائج الانتخابات: في حال وجود اتهامات واسعة بالتلاعب في النتائج أو تزويرها، من المرجح أن تعلن المعارضة رفضها النتائج تحديدًا في حالة فوز حزب فريليمو مرة أخرى. وبالتالي، قد تواجه الحكومة أزمة شرعية، مما يضغط على النظام السياسي، ويؤدي إلى تدخلات دولية أو دعوات لإعادة الانتخابات، أو التحقيق في النتائج. كما لا نستبعد حدوث احتجاجات في المناطق الحضرية الكبيرة، ومعاقل المعارضة، والمقاطعات الشمالية (كابو ديلجادو ونامبولا ونياسا).

(*) فوز موندلين: إذا تمكن موندلين من الاستفادة من شعبيته المتزايدة بين الشباب والطبقات التي تشعر بالإقصاء من النظام الحالي، خاصًة في المناطق الحضرية، قد يشكل هذا تهديدًا حقيقيًا لحزب فريليمو، لكن غياب الدعم الرسمي للحزب قد يحد من فرصه على الرغم من استقطابه لأصوات واسعة من الفئات الشابة، ويبقى هذا السيناريو هو الأقل احتمالًا، وفرصة فوز موندلين ضئيلة مقارنة بمرشحي الأحزاب الكبرى.

إجمالًا، يمكن القول إن استحقاق هذا المشهد الانتخابي الموزمبيقي بمثابة اختبار لمدى نضوج النظام الديمقراطي في البلاد وقدرته على المضي قدمًا نحو آفاق أفضل، ولا تمثل الانتخابات الرئاسية في موزمبيق مجرد عملية تصويت عابرة، بل مفترق طرق حاسم في تاريخ البلاد، إذ تترقب الأنظار ما ستؤول إليه النتائج، سواءً كانت تكريسًا لاستمرار هيمنة النظام القائم أو إفساح المجال لتحولات سياسية جذرية تقودها المعارضة. وعلى الرغم من تشابه الأهداف في بعض الوعود الانتخابية للمرشحين المتنافسين، إلا أن المرشحين نجحوا في جذب آلاف الموزمبيقيين إلى تجمعاتهم الانتخابية. وبالتالي يظل صوت شعب موزمبيق البوصلة التي توجه القادة؛ لتحقيق التغيير المنشود في هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية ولا سيما الغاز الطبيعي، حجر الزاوية في مستقبل البلاد.