بعد مرور عامين ونصف على الإطاحة برئيس غينيا السابق ألفا كوندي، حلّ رئيس الحكومة الانتقالية الجنرال مامادي دومبويا، يوم الاثنين 19 فبراير 2024، حكومة رئيس الوزراء برنارد جومو. وتم الإعلان عن ذلك من خلال مرسوم رئاسي تم بَثّه عبر التليفزيون بواسطة الجنرال أمارا كارما، ولم يُكشَف عن أية أسباب وراء القرار المُعلَن، كما لم يُفصَح عن الجدول الزمنى لتشكيل حكومة جديدة في غينيا.
وتم تعيين حكومة جومو من خلال تعديل وزاري قبل الذكري السنوية الأولى لحراك عام 2021، في وقت بدأت الأصوات المعارضة تشكك في التزام المجلس الحاكم بإعادة السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة من قِبَل الشعب، وتحمل خطوة حل الحكومة الكثير من التداعيات المحتملة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
تأسيسًا على ما سبق، يسعي هذا التحليل للإجابة عن سؤال: ما تداعيات الإعلان عن حل الحكومة في غينيا؟.
ما وراء حل الحكومة
يشكك مراقبون في أن أحد الأسباب الواردة وراء الإعلان عن خطوة حل الحكومة في غينيا، هو حالة من التوتر بين رئيس وزراء غينيا "برنارد جومو" ووزير العدل "ألفونس تشارلز رايت"، إذ تم تبادُل الرسائل بين كليهما في الـ 13 من فبراير الجاري، كالآتي:
(*) رسالة رئيس الوزراء "برنارد جومو": أرسل رئيس الوزراء "برنارد جومو "رسالة إلى وزير العدل "تشارلز رايت" مُعرِبًا عن قلقه بشأن الأوامر الأخيرة بفتح تحقيقات في الإدارة المالية للمؤسسات العامة، تبع ذلك طلب مقدم من وزير العدل إلى النيابة العامة في كوناكري بتحريك إجراءات قانونية ضد نحو 30 مديرًا مسؤولين عن تسيير المالية العمومية داخل الإدارات بتُهَم التزوير واستعمال وثائق عمومية مزورة، وإعداد وثائق محاسبية؛ لتبرير النفقات المرتبطة بتنفيذ الميزانيات المخصصة لإدارتهم. لذلك، تم إجراء تحقيق يشمل تصرفات الضباط المسؤولين بسبب تلك التُهم الملقاة على عاتقهم. كما أعرب رئيس الوزراء خلال مراسلاته عن شكوكه بشأن قدرة الدولة على إجراء تحقيقات مع كبار المسؤولين، واستمرار الصعوبات التي تواجهها الإدارة القضائية في حل القضايا المالية التي يغلفها التعقيد، ومن ثم احتمالية الإضرار بسُمعة المتورطين في حال غياب الأدلة، داعيًا إلى الوقف الفوري للتحقيقات الحالية، والاستعانة بمجلس الوزراء لاتخاذ قرار مستنير.
(*) رد وزير العدل "ألفونس تشارلز رايت": أبدى وزير العدل اندهاشه بشأن الطريقة التي تواصل من خلالها رئيس الوزراء، معلقًا بأولوية تسليط الضوء على المبادئ التي تحكم المؤسسات القضائية والإجراءات الجنائية. واستعان بالمادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية؛ للإشارة إلى الأسس القانونية التي تمكنه من إصدار تعليمات لقضاة النيابة العامة، مؤكدًا دور التحقيق في إثبات الحقائق دون افتراض ذنب المتورطين، وأنه لا يجوز للسلطة التنفيذية تعليق الإجراءات، مُذكرًا بمبدأ الفصل بين السلطات.
لذلك، نجد أن حل الحكومة في غينيا، يضع حدًا لاحتمالية إجراء محادثات بين المسؤولين الحكوميين الذين يتعين عليهم إعادة سياراتهم الرسمية ووثائق سفرهم إلى المسؤولين الانتقاليين المعينين، بالإضافة إلى تجميد حسابات الأعضاء السابقين. كما وجهت الأجهزة الأمنية في غينيا بضرورة إغلاق حدود البلاد حتى تتم عمليات التسليم المتفق عليها، وسيتم إدارة وزارات الدولة من قِبَل مسؤولين من المستوى الأدنى لحين تشكيل حكومة جديدة في غينيا.
تداعيات محتملة
إن إعلان حل حكومة غينيا له تداعيات محتملة على الصعيدين الداخلي والخارجي، منها:
(&) عودة مخاوف إيكواس: إن الإعلان عن حل الحكومة في غينيا، عرّض بعض الخطط للخطر. فمع استعادة الأوضاع منذ الحراك الحادث في 2021، ومع الضغوط الدولية والرفض العلني من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، تم الإعلان عن فترة انتقالية تصل مدتها نحو 24 شهرًا حتى يتم تشكيل حكومة جديدة بعد إجراء انتخابات حرة نزيهة بحلول شهر ديسمبر 2024. لكن، الأوضاع الراهنة عقب إعلان حل الحكومة، تعرض صفقة الانتقال السلمي إلى الحكم المدني للخطر، ومن ثُم عودة التوترات بين غينيا وإيكواس بشأن الوضع الراهن. ومع احتمالية تفاقُم الأوضاع، تزداد مخاوف إيكواس من احتمالية إعلان غينيا السير على خُطى دول التحالف الثلاثي (مالي، النيجر، وبوركينا فاسو) التي تعرضت لحراك سياسي، وخرجت من إيكواس.
(&) تعثر خطوة إجراء الانتخابات: تُعَد غينيا من الدول الإفريقية التي تعثرت فيها العملية الديمقراطية؛ نتيجة الاضطرابات السياسية الأخيرة التي شهدتها البلاد، وكان من المتوقع أن تجري غينيا انتخابات لاستعادة الحكم الديمقراطي في غضون 10 أشهر، لكن حل الحكومة الانتقالية ألقى بظلال من الشك على إجراء انتخابات في المستقبل القريب، فيبدو أن حل الحكومة يعيد ترتيب الأوضاع من جديد بشأن موعد الانتخابات الجديدة.
(&) تآكُل ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية: إن خطوة تعيين مسؤولين عسكريين في مناصب رئيسية، تسببت في تقويض التقدم المحرز نحو التحول الديمقراطي. وأدى حل الحكومة في غينيا، إلى إثارة مخاوف الغينيين، ومن ثم تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية في غينيا، حيث احتمالية الإعلان عن قرارات أخرى تثير غضب الشارع الغيني.
(&) انقسامات بشأن تشكيل الحكومة: أدى الإعلان عن حل الحكومة في غينيا، إلى انقسام الطبقات في غينيا بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، فغينيا مرت بعديد من الأزمات على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. فالطبقة السياسية والاجتماعية، ترى أن خطوة حل الحكومة مُتوقَعَة في ظل تلك الأزمات العاصفة بالبلاد. أما مواطنو غينيا، فينتابهم القلق بشأن الفترة الانتقالية المتبقية لحين إجراء انتخابات حرة نزيهة. فأصبح هناك احتمالات بشأن تشكيل الحكومة ما بين "وحدة وطنية" أو تكنوقراط، فجاء الانقسام بين السكان حول شكل الحكومة بعد القرار بشأن الحكومة المنحلة.
(&) الاستغلال الدولي للأوضاع في غينيا: مع حالة عدم الاستقرار التي تمر بها غينيا عقب الإعلان عن حل الحكومة، من المحتمل استغلال الكثير من الدول توتر العلاقات الغينية الفرنسية والاضطرابات الأمنية؛ من أجل زيادة الاستثمار الأجنبي؛ فغينيا تمتلك العديد من الثروات الطبيعية، مثل البوكسيت والحديد والذهب والفحم واليورانيوم، ما يجعلها مهمة للدول الكبرى؛ من أجل الاستثمار والتجارة.
(&) إمكانية تمَدُد الجماعات الإرهابية: إن الموقع الجغرافي لغينيا، والتوترات القائمة في دول الجوار (مالي، النيجر وبوركينا فاسو)، يمكن أن تشجع الجماعات الإرهابية على التمدد، وتنفيذ عمليات إرهابية أو استغلال الأوضاع لتهريب الأسلحة والقيام بأعمال غير شرعية، ومن ثم تصبح غينيا هي الأخرى عُرضة للوقوع تحت سيطرة جماعات إرهابية تسعي لبسط السيطرة والتمدد في غرب إفريقيا. لكن، إغلاق حدود البلاد في الوقت الحالي، يقلل من احتمالية هذا الأمر.
حاصِل ما تقدم، يمكن القول إن إعلان حل الحكومة في غينيا لم يَكُن مجرد تعديل وزاري سياسي فحسب، بل لحظة حاسمة في تاريخ الشعب الغيني، فهي الآن تقف على مفترق طُرُق بشأن الانتقال السِلمى الديمقراطي للسلطة. لذلك، فإن الفترة الانتقالية التي تمر بها غينيا عقب إعلان حل الحكومة ستكون تحت قبضة المجلس الحاكم خلال الأشهُر المقبلة. ولا يمكننا إغفال حقيقة أن تشكيل الحكومة الجديدة في حالة الالتزام بإجراء انتخابات حرة نزيهة في مناخ ديمقراطي آمن، سيُشكل سابقة للتحولات الديمقراطية في منطقة غرب إفريقيا، بالإضافة إلى تحديد مستقبل غينيا التي تعاني من مأزق سياسي نتيجة الإعلان عن حل الحكومة.