في خضم توترات سياسية متصاعدة وضغوط متزايدة، يقترب الكونجرس الأمريكي من إبرام اتفاق تمويل قصير الأجل، في محاولة حاسمة لتجنب إغلاق حكومي وشيك بحلول الأول من أكتوبر، ويأتي هذا التطور في وقت حرج، إذ تتصارع القوى السياسية المتنافسة لتحقيق التوازن بين المصالح الحزبية والحاجة الملحة لاستمرار عمل الحكومة الفيدرالية.
تفاصيل الاتفاق المرتقب
وفقاً لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن مشروع القانون المؤقت، المعروف رسميًا باسم "قرار الاستمرارية"، يهدف إلى توفير التمويل اللازم للحكومة الفيدرالية حتى منتصف شهر ديسمبر.
هذا الإجراء، الذي يعد بمثابة حل وسط بين الأطراف المتنازعة، يهدف إلى منح المشرعين مزيدًا من الوقت للتفاوض على ميزانية أكثر شمولًا وطويلة الأجل.
يذكر أن هذا الاتفاق المرتقب يتميز بغياب لافت لمقترح الجمهوريين المثير للجدل، والذي كان يهدف إلى فرض شرط تقديم إثبات الجنسية للتسجيل في التصويت، ما يعد انتصارًا تكتيكيًا للديمقراطيين، الذين طالما عارضوا هذا المقترح باعتباره محاولة لتقييد حق التصويت.
في تصريح يعكس التفاؤل الحذر السائد في أروقة الكونجرس، قال زعيم الأغلبية ستيف سكاليس، وهو جمهوري من ولاية لويزيانا: "ما زلنا نضع اللمسات الأخيرة على بعض التفاصيل... نريد أن نبقيه ضيق النطاق جداً.. لذا، نأمل في الأيام القليلة القادمة أن ننتهي من إعداده.. لم نصل إلى هناك بعد، لكننا نقترب"، بحسب الصحيفة.
سباق مع الزمن
في خطوة تعكس الإدراك المتزايد لخطورة الوضع، يسعى المفاوضون جاهدين لإنهاء صياغة النص النهائي للاتفاق خلال عطلة نهاية الأسبوع الجاري، وهذا الجدول الزمني الطموح يهدف إلى إتاحة الفرصة لإجراء تصويت في مجلس النواب في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، وهو ما يعد سباقًا حقيقيًا مع الزمن.
هذا التسارع في وتيرة المفاوضات يأتي كرد فعل مباشر على الضغوط المتزايدة من مختلف الأطراف السياسية والاقتصادية، فمن ناحية، هناك قلق متزايد داخل الأوساط الاقتصادية من التأثيرات السلبية المحتملة لأي إغلاق حكومي على الأسواق المالية والنمو الاقتصادي، ومن أخرى، يواجه المشرعون ضغوطًا متزايدة من قواعدهم الانتخابية للتوصل إلى حل يضمن استمرار الخدمات الحكومية الأساسية دون انقطاع.
نقاط الخلاف
رغم التقدم الملحوظ في المفاوضات، لا تزال هناك عدة نقاط خلافية تتطلب المزيد من النقاش والتفاوض، وتعد هذه النقاط بمثابة اختبار حقيقي لقدرة المشرعين على تجاوز خلافاتهم الحزبية وتحقيق المصلحة العامة.
وأولى هذه النقاط، الجدل القائم حول التاريخ الدقيق لانتهاء مفعول مشروع القانون المؤقت، إذ يدرس المفاوضون حاليًا خيارين رئيسيين، وهما 13 ديسمبر أو 20 ديسمبر، إلا أن هذا الاختلاف، رغم بساطته الظاهرية، له تداعيات مهمة على ديناميكيات التفاوض المستقبلية وتوقيت إقرار الميزانية الشاملة، وفقًا لتقرير الصحيفة الأمريكية.
أما ثانيها، فهي المساعدات في حالات الكوارث، فبينما يتفق الطرفان على ضرورة تقديم المساعدات لمواجهة الكوارث الطبيعية الأخيرة التي ضربت أجزاء من البلاد، إلا أن الخلاف يدور حول حجم هذه المساعدات وآليات توزيعها، ما يعكس التوترات الدائمة بين الحاجة إلى الاستجابة للأزمات الطارئة والحرص على الانضباط المالي.
وأخيرًا، يشكل موضوع التمويل الإضافي لجهاز الخدمة السرية نقطة خلاف أخرى، فبينما يرى البعض ضرورة توفير موارد إضافية للجهاز في ظل التحديات الأمنية المتزايدة، يعارض آخرون هذه الخطوة، معتبرين إياها توسعًا غير مبرر في الإنفاق الحكومي، وهذا الخلاف يسلط الضوء على التوازن الدقيق بين متطلبات الأمن القومي والحاجة إلى ترشيد الإنفاق الحكومي.
مناورة جونسون
في خضم هذه المفاوضات المعقدة، يجد رئيس مجلس النواب مايك جونسون نفسه في موقف بالغ الحساسية، فمن جهة، يواجه ضغوطًا متزايدة من الجناح المتشدد في حزبه للتمسك بمواقف أكثر تشددًا في المفاوضات، ومن جهة أخرى، يدرك المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه لتجنيب البلاد تبعات الإغلاق الحكومي.
وذكرت الصحيفة، أن هذا الموقف الدقيق انعكس في تصريحاته الحذرة، إذ قال في وقت سابق من اليوم الجمعة: "سنصدر نص مشروع القانون بمجرد اتخاذ جميع القرارات النهائية، لكننا لم نتخذ تلك القرارات بعد"، ما يعكس رغبة جونسون في الحفاظ على مساحة للمناورة، مع تجنب الالتزام بموقف نهائي قبل ضمان الدعم الكافي داخل كتلته البرلمانية.
ظلال ترامب والانتخابات
لا يمكن فهم تحركات المفاوضات الحالية دون الأخذ في الاعتبار التأثير الكبير للرئيس السابق دونالد ترامب على المشهد السياسي الأمريكي، إذ دعا الأخير الجمهوريين إلى إغلاق الحكومة إذا لم يتم تضمين مشروع قانون التصويت الخاص بهم في الاتفاق النهائي.
وهذا الموقف المتشدد من ترامب يضع العديد من المشرعين الجمهوريين في موقف صعب. فمن ناحية، يخشون فقدان دعم القاعدة المؤيدة لترامب إذا ما تجاهلوا مطالبه، ومن ناحية أخرى، يدركون المخاطر السياسية والاقتصادية الكبيرة التي قد تنجم عن إغلاق حكومي مطول، بحسب "بوليتيكو".
إضافة إلى ذلك، فإن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية يلقي بظلاله على المفاوضات الجارية، فكل طرف يسعى لتحقيق مكاسب سياسية يمكن توظيفها في الحملات الانتخابية المقبلة، ما يزيد من تعقيد عملية التوصل إلى حل توافقي.