في عالمنا الحديث، صارت الكهرباء شريان الحياة الذي يعتمد عليه الجميع، لذا يتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية المخزنة في أنحاء العالم كوسيلة لاستخدامها في مختلف الظروف، لكن في إسرائيل الأمر مختلف تمامًا حيث تفرق بعض المدن بين ما يطلق عليه "الكهرباء الحلال" و"الكهرباء الحرام".
ووفق تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فقد ظهر مصطلح "كهرباء الكوشير" أو "الكهرباء الحلال" كمحاولة إسرائيلية مبتكرة لتلبية احتياجات اليهود المتدينين في أيام السبت والأعياد، وهي خطوة تفتح أبوابًا جديدة حول كيفية تخزين الكهرباء واستخدامها بطرق تراعى الالتزامات الدينية.
"كهرباء الكوشير"
وفي مارس الماضي، طُرحت على الساحة قضية "كهرباء الشريعة اليهودية"، وهو مشروع تقدر تكلفته بملايين الشواكل، بهدف توفير الكهرباء في أيام السبت دون انتهاك للتعاليم الدينية.
ويتم ذلك باستخدام بطاريات ليثيوم ضخمة تُشحن خلال الأسبوع لتوفر الطاقة المخزنة في يوم السبت، وقد أثار هذا المشروع جدلاً حول تمويل قطاع محدد، ما دفع شركة الكهرباء لتوضيح أبعاده البيئية.
وفي مايو 2023، وافقت إسرائيل، على خطة لإنشاء شبكة لتخزين الطاقة في مدنها بهدف إنتاج كهرباء "كوشير" أو "حلال" يمكن لليهود المتدينين استخدامها أيام السبت وفق تعاليمهم.
وهناك قيود مفروضة على استخدام الكهرباء يوم السبت في المجتمعات المتدينة الإسرائيلية التي تتقيد بالتعاليم اليهودية، فلا يشغل اليهود المتدينون الأجهزة الكهربائية أيام السبت، لكن بعض الأنظمة مثل مكيفات الهواء أو سخانات المياه يمكن تشغيلها مسبقًا وتركها تعمل طوال اليوم.
آلية عمل "كهرباء الكوشير"
تعتمد الفكرة على شحن البطاريات الكبيرة خلال الأيام العادية، على أن تكون قادرة على توفير الطاقة دون إنتاج جديد في أيام السبت، وستبدأ المرحلة الأولى من المشروع في مدينة بني براك، حيث يُتوقع أن تخدم السكان اليهود المتشددين والمناطق المحيطة بهم.
وتوضح شركة الكهرباء الإسرائيلية أن هذه البطاريات الخضراء تمثل حلاً بيئيًا بديلاً أكثر أمانًا وفعالية مقارنة بالطاقة الشمسية التي تعتمد على توفر الضوء الطبيعي.
تخزين الكهرباء.. لماذا الآن؟
في يونيو الماضي، حذّر المدير التنفيذي لشركة Nega من أن إسرائيل ليست مستعدة لمواجهة انقطاع الكهرباء في حال نشوب حرب في الشمال، ويعكس ذلك القلق العام من أنظمة الطاقة الهشة، ما يدفع البعض إلى التفكير في شراء مولدات كهربائية منزلية. في هذا السياق، يبدو أن تخزين الكهرباء ليس مجرد حل لمشكلة يوم السبت، بل يمكن أن يمثل حلًا وطنيًا لمشكلات أكبر تتعلق بالطاقة والاستمرارية.
التخزين في السياق الدولي
ويشهد العالم تزايدًا في الطلب على الطاقة المخزنة، حيث تُستخدم البطاريات الكبيرة في توليد الطاقة الشمسية خلال الليل وفي دعم التحول إلى النقل الكهربائي.
وبتزايد عدد الحكومات الدينية في إسرائيل، ازداد الاهتمام بتلبية احتياجات المجتمعات المتدينة، خاصة تلك التي تتجنب استخدام الأجهزة الكهربائية في أيام السبت، وبالمثل، فإن مشاريع تخزين الكهرباء تشهد انتشارًا عالميًا في دول مثل الولايات المتحدة، التي تتوقع زيادة ثلاثة أضعاف في حجم التخزين بحلول عام 2030.
تقنيات تخزين الطاقة
من الممكن تخزين الطاقة بطرق مختلفة، بدءًا من تخزين المياه في أماكن مرتفعة لاستخدامها لاحقًا لتوليد الكهرباء، وصولاً إلى تقنيات الهواء المضغوط والمكثفات الحديثة.
ولعل الأهم هو تطوير البطاريات ذات الكفاءة العالية، مثل بطاريات الجرافين والمكثفات الفائقة، التي تعد مستقبل الطاقة المتجددة، وهذه التقنيات، رغم حداثتها، تعد بوضع حلول دائمة لمشكلات استهلاك الطاقة غير المتوازنة.
تحديات بيئية واقتصادية
على الرغم من الإمكانات الكبيرة لمرافق التخزين، هناك تحديات بيئية واقتصادية تثير القلق، فتتطلب المشاريع الكبيرة تكلفة عالية في الإنشاء والصيانة، إضافة إلى مخاطر بيئية ناتجة عن استخدام مواد مثل الليثيوم والرصاص.
يضاف إلى ذلك خطر الحوادث مثل الحرائق الناتجة عن ارتفاع حرارة البطاريات، وتظل هذه المشكلات جزءًا من التحديات التي تواجهها مشاريع الطاقة المخزنة في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في إسرائيل.
رؤية مستقبلية لتخزين الكهرباء
ويُظهر مشروع "كهرباء الكوشير" كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتكيف مع المتطلبات الدينية والتحديات البيئية في آن واحد، ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستحقق هذه المشاريع الفائدة المرجوة على المستوى البيئي والاقتصادي؟
وفي ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، قد يكون التخزين هو المفتاح للتوازن بين العرض والطلب، لكن النجاح يعتمد على مدى قدرة هذه المشاريع على تقديم حلول خضراء ومستدامة للمستقبل.