خلال زيارته إلى وكالة التنمية الدفاعية الحكومية في دايجون (140 كم جنوب العاصمة سول)، يوم الخميس 29 ديسمبر 2022، أمر الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك-يول، بـ"الانتقام" ضد أي استفزازات مستقبلية من كوريا الشمالية وتعزيز قدرات الجيش في المراقبة والاستطلاع والمراجعة الشاملة لأنظمة الرد العسكري ضد أي اختراقات للأجسام الطائرة من بيونج يانج، وذلك بعد أيام من اختراق 5 طائرات مسيّرة شمالية لأجواء بلاده في الـ26 من الشهر ذاته، فيما يتصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية مع تسارع وتيرة إطلاق بيونج يانج صواريخ باليستية تجاوزت 60 صاروخًا خلال العام، حسب وكالة أنباء "يونهاب".
وتتأهب كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى جانب اليابان بالمناورات والتدريبات المشتركة استعدادًا لاحتمال إجراء بيونج يانج تجربة نووية سابعة، ليبقى السؤال: لماذا يتصاعد التوتر بين الكوريتين في هذا التوقيت؟
اختراقات متعددة:
ازداد نشاط كوريا الشمالية بشكل ملحوظ خلال عام 2022، في مواجهة كوريا الجنوبية في ظل تحالفها المتعاظم مع الولايات المتحدة واليابان، ويمكن فهم تلك التطورات في السياقات التالية:
(*) اختراق الأجواء: أعلن الجيش الجنوبي اختراق 5 طائرات مسيّرة كورية شمالية للحدود في إقليم "كيونج كي" صباح يوم الإثنين 26 ديسمبر 2022، في العاشرة و25 دقيقة بالتوقيت المحلي، ووصلت إحداها إلى شمال العاصمة سول. ونقلت وكالة "يونهاب" للأنباء عن الجيش الكوري الجنوبي رصده "الأجسام مجهولة الهُوية" في مناطق "باجو، كيمبو، وجزيرة كانجهوا"، قبل أن تطلق المقاتلات والمروحيات الهجومية 100 طلقة تحذيرية لدفعها خارج الحدود. وفيما لم ترصد الوكالة اشتباكًا جوية، وأفادت "يونهاب" بسقوط مقاتلة كورية جنوبية في قرية هوينج سونج، على بُعد 140 كم من العاصمة سول لسبب غير معلوم. وكانت سول كشفت 4 حوادث مماثلة لجارتها الشمالية بغرض التجسس، بين عامي 2014 و2017.
(*) تبادل الطلقات التحذيرية في البحر: في 23 أكتوبر الماضي أطلقت البحرية الكورية الجنوبية طلقات تحذيرية على سفينة تجارية شمالية دخلت حدودها البحرية الغربية، وردت كوريا الشمالية بإطلاق 10 قذائف مدفعية على السفينة البحرية الكورية الجنوبية التي دخلت الحدود لتعقب سفينة مجهولة الهوية، حسب وكالة "رويترز".
(*) الصواريخ الباليستية: وفقًا للشكل السابق، واصلت بيونج يانج إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه البحر الشرقي وبحر اليابان بمعدل تجاوز 68 صاروخًا باليستيًا متنوعًا بين قصير المدى (أسود)، ومتوسط المدى (أزرق)، وطويل المدى (رمادي) خلال عام 2022، وذلك حسبما نقلت وكالة بلومبرج عن وزارة الدفاع الكورية الجنوبية (باستثناء تجربتي إطلاق فاشلتين). لكن تبدو أهم ملامح التصعيد في إطلاق كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا في 4 أكتوبر 2022، اخترق الأجواء الشمالية لليابان قبل أن يسقط في المحيط الهادي. وخلال الأسبوع الماضي أطلقت كوريا الشمالية 4 صواريخ قرب جارتها الجنوبية، كان الأول والثاني في 18 ديسمبر، والثالث والرابع في 23 ديسمبر 2022 باتجاه البحر الشرقي.
توترات كاشفة:
ارتدت التطورات في منطقة آسيا والمحيط الهادي على الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، في إطار مخاوف دول الجوار من تحالف غير معلن بين بيونج يانج وكل من موسكو وبكين، وهو ما يظهر في التطورات التالية:
(#) تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة: رغم اعتذار عن إخفاقه في اكتشاف أو التصدي للمسيرات الشمالية، واجه الجيش الجنوبي توبيخًا من الرئيس يون سوك-يول حسب وكالة الأنباء يونهاب، مع توجيه يول بردع أي اختراقات لأجواء بلاده سواء كانت عبر الطائرات المسيرة أو أي "أجسام طائرة"، وهو ما يشمل الصواريخ الباليستية والطائرات الحربية التي تقترب من الخط التقسيم العسكري الفاصل، وما تطلق عليه سول "خط العمل التكتيكي" ويغطي بين 20 إلى 50 كم في محيط خط التقسيم، الذي يدخل مدى عمل الدفاع الجوي الكوري الجنوبي. ففي 4 نوفمبر الماضي، كشف الجيش الكوري الجنوبي رصده 180 طائرة حربية شمالية في الجزء الشمالي من "خط العمل التكتيكي" ومياه شرق وغرب شبه الجزيرة الكورية، لتدفع سول بنحو 80 مقاتلة من بينها طائرات إف-35 الشبحية، بالتزامن مع تأهب 240 مقاتلة مشاركة في مناورات جوية مشتركة مع نظيرتها الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة دفعت بثقلها في المنطقة وازدادت أنشطتها العسكرية لردع الأنشطة الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية، في ظل مخاوف من إجراء بيونج يانج تجربة نووية سابعة، لأول مرة منذ 2017. ويتسق ذلك مع سياسة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك-يول الذي تولى السلطة في مايو الماضي، ويتبنى الزعيم المحافظ نهجًا أكثر صرامًا لردع بيونج يانج، خلافًا لسياسة سلفه مون جيه-إن الذي رعى سياسة تصالحية مع نظيره الشمالي، وسعى لمعالجة المسألة النووية بالحوار، التي نجحت جزئيًا في منع أي تجارب جديدة منذ 2017، بالتزامن مع وتيرة تسلح جنوبية أقل حدة في هذه الفترة.
خلال النصف الأول من العام المقبل، من المحتمل أن تجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة 20 تدريبًا مشتركًا (التنين المزدوج) وتنسقان لإجراء تدريبات ضخمة للاحتفال بإحياء الذكرى 70 لإقامة التحالف بينهما. كما ستجريان تدريبات "درع الحرية" في النصف الثاني من 2023 التي استأنفتها سول وواشنطن أواخر أغسطس الماضي، بعد سنوات من تقليص التعاون العسكري (منذ أبريل 2017) الذي تعدّه بيونج يانج استعدادًا لغزوها.
(#) توجهات جديدة: جاء تزايد نشاط إطلاق الصواريخ في إطار سياسة بيونج يانج الجديدة لردع ومواجهة تشديد التحالف الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة المنادي بنزع سلاح كوريا الشمالية النووي. ويسود الترقب للتطورات التي أعقبت الاجتماع السادس للجنة المركزية الثامنة بحزب العمال الحاكم بحضور الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج-أون، التي تتعلق بسياسات الدولة داخليًا وخارجيًا خلال العام المقبل، وفي مقدمة رسائل الحزب وضع أهداف جديدة للجيش وتعزيز القدرات الدفاعية. وفيما لم يتأكد موعد إجراء تجربة نووية جديدة، تعهد كيم بتطوير قدرات بلاده لتصبح أكبر قوة نووية في العالم، خلال إشرافه على اختبار صاروخ هواسونج-17 العابر للقارات، في 27 نوفمبر 2022.
وإجمالًا، تشير التحركات العسكرية في شبه الجزيرة الكورية إلى تصاعد محتمل للتوترات بين سول وبيونج يانج خلال العام المقبل في ضوء بيئة إقليمية أكثر اضطرابًا ووجود عسكري متزايد للقوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما لم تؤدِ الصين وأمريكا دورًا في تهدئة الأوضاع، أو أن تلجأ سول إلى بكين لخفض التوترات مع جارتها الشمالية، وتميز صفها عن الحلفاء الإقليميين المشاركين في خطط احتواء الصين، لكن يظل خيار نزع السلاح النووي لبيونج يانج بعيد المنال.