لم تكن المطربة السعودية عتاب تخطط في طفولتها إلى أن تصبح فنانة مشهورة، الأمر لم يكن إلا محاولات من "طروف عبد الخير آدم هوساوي" بين أوقات الفراغ وسط الحصص الدراسية للترويح عن النفس بين صديقاتها، حتى سمعتها إحدى المعلمات لتنادي عليها، وتطلب منها أن تزيدها طربًا، ثم تطلق عليها اسم عتاب، وتسمع الفتاة الصغيرة همسًا بين الطالبات صديقاتها بأنها ستكون فنانة.
عتاب الذي يوافق اليوم 30 ديسمبر الذكرى الـ75 على ميلادها، تجاوزت مرحلة الهمس بين صديقات الدراسة لتصبح بعد سنوات وهجًا في السماء يدركه الجميع، وعلامة فنية سعودية مضيئة أيقن بموهبتها رموز الأغنية في التاريخ الغنائي الموسيقي سواء كانوا في السعودية أو في مصر والكويت، إذ بدأت المشوار بالغناء في بعض المناسبات العائلية في أحد أحياء الرياض، وكانت تعيش مع والدها الموظف بوزارة الزراعة، ومع خالتها التي ربتها عقب وفاة والدتها منذ كانت في الرابعة من عمرها.
مجاريح
سمع أهالي الأحياء المجاورة بعذوبة صوت صاحبة أغنية "مجاريح"، لتصبح مطلوبة للغناء هناك، مُرددةً أغاني الفولكلور والتراث الذي كانت تعشقه ومنها "يا سارية" و"قف بالطواف"، وليس مصادفة أن يكون بداية انطلاق المطربة عتاب لاحتراف الغناء على يد المجدد في الأغنية والموسيقى السعودية الراحل طلال مداح، إذ التقته صدفة في جدة مع بعض أفراد عائلته وسمعها تغني ليؤمن بموهبتها، وفي سن 13 عامًا قدّم لها أغنية "لا يا بنت" عام 1966، وعلّمها كثيرًا من قواعد وأصول الغناء والعزف على العود، كما قدّم لها نصائح لكي يكتسب صوتها شخصية مميزة.
أغنية طلال مداح للمطربة عتاب، كانت بطاقة العبور والاعتراف الفني بأن السعودية تشهد انطلاق موهبة غنائية مُبشرة، لتتعاون مع رموز فنية في التلحين ومنهم عمر كدرسي وفوزي محسون وطارق عبد الحكيم -ملحن النشيد الوطني السعودي- ليصبح لها جمهور كبير في جدة، واتسعت رقعته مع ذهابها شرقًا إلى مدينة الطائف، ويرصد الجميع المشهد الغنائي وقتئذ، وانضمام منافس قوي للمطربتين ابتسام لطفي وتوحة.
شجاعة كبيرة
خامة الصوت القوية التي منحها الله للمطربة عتاب، لم تكن الهبة الربانية الوحيدة التي ميزتها، إذ تمتعت بشجاعة كبيرة لتتغلب على مصاعب تتعلق بوجود مطربة امرأة في مجتمع السعودية بفترة الستينيات من القرن الماضي، التي كان تاريخ الأغنية السعودية يأخذ منعطفًا آخر، وُجدت فيه بقوة المغنية صاحب الصوت الشجي، ومعلنةً عن نفسها كأنها تقول "هذا أنا وهذه فنوني".
أصبحت عتاب أول مطربة من المملكة العربية السعودية تطل على شاشة تليفزيون الدولة، وأول مطربة خليجية تصعد لتغني أمام الجمهور على خشبة المسرح، في ظل أنه وقتها كانت معظم صاحبات الصوت الموهوب يتغنين بعيدًا عن الأماكن العامة وعلى استحياء.
إيمان بموهبتها
إيمان رموز الأغنية بموهبة عتاب رافقها في جميع مراحل مشوارها الفني، إذ شكّلت عام 1972 ثنائيًا فنيًا مع حيد فكري أحد معالم الفن السعودي وصاحب المشوار الممتد لأكثر من 40 عامًا، وقدّما حفلات كثيرة معًا داخل السعودية.
في كل بلد ذهبت إليه عتاب ساندها مبدعيها المطورين في الأغنية، ففي الكويت حظيت بالتشجيع نفسه، وغنت في برامج الأطفال بإذاعة الكويت، ومع الترحيب الإعلامي عبر مقالات نقدية بصحف الكويت، حققت شهرة في مجالها، وتعاونت مع عدد من الشعراء والملحنين هناك، منهم عبد الرحمن البيعجان في أغنية "كيف كان جيت اليوم يا القاطع"، كما أنها نالت دعم المغنية عودة المهنا المحتضنة لمواهب غنائية من مختلف أنحاء الوطن العربي، وصاحبة أكبر الفرق الغنائية النسائية بالكويت.
جاني الأسمر
امتد ذلك الدعم الفني لرموز الموسيقى في الوطن العربي عند مجيئها إلى مصر ليقدمها المطرب عبد الحليم حافظ بإحدى حفلاته، ما فتح أمامها شهرةً من نوع مختلف عام 1975، وأدركت بذكاء فني وقتها أنه يجب عليها بدء مرحلة جديدة في الغناء من القاهرة مع عودتها إليها في مطلع الثمانينيات، وتكتفي بما قدَّمته في مرحلته الأولى التي اعتمدت فيها على الكلاسيكيات الطويلة والهادئة، وأنه في خطوتها الثانية بالقاهرة يجب أن تواكب العصر وتجدد نفسها، ووجدت ضالتها في أغنية "جاني الأسمر" بألحان راقصة لفوزي محسن وكلمات خفيفة مرحة لثريا قابل.
عاشت عتاب حياتها بين الرياض والكويت والقاهرة لتقدم على مدار أكثر من 40 عامًا عددًا من الأغاني تعاونت فيها مع عدد كبير من الشعراء والملحنين منهم خالد الفيصل وسعود بن المنذر وخالد بن يزيد وعبد اللطيف البني، وتغني "مرحبًا بالخضر" من كلمات عبد الرحمن البواردي، و"الله من عبرة" كلمات أحمد السعد، وفي مصر عملت مع الملحن محمد الموجي بأغنية "فك القيود"، لترحل عن عالمنا عام 2007 لكنها تبقى نموذجًا فريدًا لموهبة نسائية عربية استثنائية.