الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

خطة "دراجي" لإصلاح أوروبا.. رؤية طموحة تصطدم بواقع سياسي معقد

  • مشاركة :
post-title
ماريو دراجي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

كشف ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، عن خطة طموحة لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي، خلال مؤتمر صحفي عقده في بروكسل، إذ حذّر من أن أوروبا تواجه خطر الانكماش الاقتصادي والتراجع التكنولوجي.

وتتضمن خطة دراجي استثمارات ضخمة في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى إصلاحات هيكلية في الأسواق المالية وسوق العمل، إلا أن هذه الخطة الطموحة تواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، أبرزها الخلافات بين الدول الأعضاء حول آليات التمويل، وفقًا لما نقلته صحيفة "بوليتيكو".

رؤية قاتمة لمستقبل أوروبا

يرسم ماريو دراجي، صورة قاتمة لمستقبل أوروبا، مُحذرًا من أن القارة تتجه نحو الانكماش بشكل غير مسبوق، إذ في تصريحات نقلتها صحيفة "بوليتيكو"، قال دراجي: "سنصبح مجتمعًا ينكمش في الأساس".

وأضاف مستخدمًا تشبيهًا بليغًا: "نحن نتشارك هذه الكعكة التي تصغر أكثر فأكثر مع عدد أقل من الناس"، في حين أن هذه النظرة المتشائمة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة لتحليل عميق للواقع الاقتصادي والتكنولوجي الذي تعيشه أوروبا منذ عقدين.

على مدى العشرين عامًا الماضية، شهدت القارة الأوروبية تراجعًا ملحوظًا في مجالات حيوية، أبرزها التحول الرقمي، ففي الوقت الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة على هذا المجال، وجدت أوروبا نفسها متخلفة عن الركب وغير قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا.

هذا التخلف التكنولوجي لم يقتصر تأثيره على قطاع بعينه، بل امتد ليشمل مختلف جوانب الاقتصاد الأوروبي، ما أدى إلى تراجع تنافسية القارة على الصعيد العالمي.

أزمة الإنتاجية

يشير تقرير دراجي إلى أن الاتحاد الأوروبي يعاني مشكلة عميقة في الإنتاجية، وهي المعضلة التي تعتبر حجر الأساس في تراجع الاقتصاد الأوروبي، العمال الأوروبيون، وفقًا للتقرير، ينتجون أقل من نظرائهم الأمريكيين في الساعة الواحدة، ما يضع أوروبا في موقف تنافسي ضعيف على الساحة العالمية.

وفي تحليله لجذور هذه المشكلة، يعزو دراجي الأمر إلى عدة عوامل متشابكة، في مقدمتها التصميم السيئ للأسواق المالية الأوروبية، الذي يعيق تدفق رأس المال بشكل فعّال نحو القطاعات الأكثر إنتاجية.

ثانيًا: "ارتفاع تكاليف الطاقة في أوروبا مقارنة بمنافسيها العالميين، ما يضع عبئًا إضافيًا على الشركات الأوروبية ويقلل من قدرتها على الاستثمار في تحسين الإنتاجية".

العامل الثالث الذي يسلط عليه دراجي الضوء هو تشتت جهود البحث والتطوير بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فبدلًا من توحيد الجهود وتركيز الموارد على مشروعات بحثية استراتيجية، تجد أوروبا نفسها في حالة من التشرذم، إذ تعمل كل دولة بشكل منفرد، ما يؤدي إلى هدر الموارد وضعف المخرجات البحثية.

أخيرًا، يشير التقرير إلى مشكلة الاستقطاب السياسي المتزايد داخل الاتحاد الأوروبي، الذي يعيق عملية صنع القرار وتبني السياسات الاقتصادية الضرورية لتحفيز الإنتاجية، وهذا الانقسام السياسي يجعل من الصعب التوصل إلى توافق حول الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي.

المنافس الصاعد الذي يهدد الهيمنة الأوروبية

لم يغفل تقرير دراجي عن تسليط الضوء على التهديد الصيني المتنامي للاقتصاد الأوروبي، حسبما نقلته "بوليتيكو"، أشار دراجي إلى أن الصين لم تعد مجرد منافس يسعى للحاق بالركب، بل إنها أصبحت تتفوق على أوروبا في بعض المجالات الحيوية.

وضرب دراجي مثالًا صارخًا على هذا التفوق الصيني، مشيرًا إلى صناعة السيارات الكهربائية، ففي هذا القطاع الذي يعتبر أحد أعمدة الثورة الصناعية الرابعة، نجحت الصين في تحقيق قفزات نوعية، متجاوزة في ذلك الشركات الأوروبية العريقة.

هذا التفوق الصيني لا يقتصر على الإنتاج فحسب، بل يمتد ليشمل الابتكار والتطوير التكنولوجي، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة أوروبا على الحفاظ على مكانتها في الصناعات المستقبلية.

ويحذر "دراجي" من أن هذا التقدم الصيني لا يقتصر على قطاع السيارات الكهربائية فحسب، بل إنه يمتد ليشمل مجالات أخرى حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.

خطة طموحة للنهوض

في مواجهة هذه التحديات الجسام، يقترح ماريو دراجي، خطة طموحة للنهوض بالاقتصاد الأوروبي وإعادته إلى مصاف القوى الاقتصادية العظمى، متضمنة عدة محاور رئيسية تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الأوروبي، وفقًا لـ"بوليتيكو".

في مقدمة هذه المحاور يأتي التركيز على الطاقة النظيفة، إذ يرى دراجي أن أوروبا يمكنها أن تتخذ من التحول نحو الطاقة المتجددة فرصة لتعزيز قدرتها التنافسية وخلق فرص عمل جديدة.

هذا التوجه لا يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل الأبعاد البيئية والجيوسياسية، إذ يمكن لأوروبا أن تقلل من اعتمادها على مصادر الطاقة الخارجية.

المحور الثاني في خطة دراجي يتمثل في تعزيز الصناعات عالية التقنية، فهو يدعو إلى استثمار ضخم بمجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات، بهدف سد الفجوة مع الولايات المتحدة والصين.

هذا الاستثمار، وفقًا لدراجي، يجب أن يكون مصحوبًا بإصلاحات في النظام التعليمي الأوروبي لضمان توفير القوى العاملة الماهرة اللازمة لهذه الصناعات المستقبلية.

أما المحور الثالث فيركز على تحسين المرونة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، وهنا يقترح دراجي سلسلة من الإصلاحات الهيكلية، تهدف إلى تعزيز قدرة الاقتصاد الأوروبي على التكيف مع الصدمات الخارجية والتغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي.