في تحول لافت للسياسة البريطانية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن المملكة المتحدة تتجه نحو تقارب تنظيمي أكبر مع بروكسل، في حين أن هذا التغيير، الذي قد يمثل نقطة تحول في العلاقات البريطانية الأوروبية، يأتي مع طرح حكومة حزب العمال الجديدة لتشريع يفتح الباب أمام مواءمة المعايير البريطانية مع نظيرتها الأوروبية.
مشروع قانون جديد
كشفت مجلة "بوليتيكو" الأوروبية عن تفاصيل مشروع قانون جديد طرحته حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، يحمل اسم "قانون سلامة المنتجات والمترولوجيا" ، الذي يحمل في طياته تغييرات جوهرية في السياسة البريطانية تجاه الاتحاد الأوروبي.
وفقًا لتحليل "بوليتيكو"، فإن هذا القانون يمنح الحكومة البريطانية سلطة الاعتراف بقواعد سلامة المنتجات الأوروبية التي تم تحديثها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا عن نهج حزب المحافظين السابق، الذي سعى إلى وضع أكبر قدر ممكن من المسافة بين لندن وبروكسل منذ مغادرة بريطانيا للاتحاد.
تسهيلات للشركات
يرى خبراء أن هذا القانون قد يسهّل الأمور على الشركات التي ترغب في التجارة في كلا السوقين واستخدام قطع غيار أوروبية في سلاسل التوريد الخاصة بها. وقد علّق جويل ريلاند من مركز أبحاث "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" قائلًا: "لأول مرة منذ البريكست، تقول حكومة بريطانية بشكل صريح أنها ترغب بنشاط في الحفاظ على التوافق مع اللوائح الأوروبية الجديدة، لتسهيل الأمور على الشركات".
ومع ذلك، فإن هذا التوجه الجديد أثار حفيظة المؤيدين للبريكست الذين يعتزون بالسيادة البريطانية، إذ وصفت صحيفة "ديلي إكسبريس" هذه الخطوة بأنها "خيانة للبريكست" على صفحتها الأولى.
كما انتقد متحدث باسم حزب "الإصلاح" بزعامة نايجل فاراج هذا التشريع، معتبرًا أنه يُجبر الشركات البريطانية على الامتثال لتشريعات أجنبية لا تملك بريطانيا أي سيطرة عليها.
آثار بعيدة المدى
تشير "بوليتيكو" إلى أن الآثار طويلة المدى لهذه الخطة قد تكون بعيدة المدى، حيث تنتبه قطاعات متنوعة تتراوح من التكنولوجيا إلى التصنيع لهذا التغيير. ويرى المحامي جورج بيريتز، المتخصص في قضايا التجارة والتنظيم، أن هذا التشريع سيعمل على "إلغاء بعض الأضرار التي تسبب فيها قانون الاحتفاظ بقانون الاتحاد الأوروبي" الذي أقرته الحكومة السابقة.
وأضاف "بيريتز" أن التشريع الجديد سيمكّن الجهات التنظيمية من القول ببساطة: "هذا يعني ما يقوله قانون الاتحاد الأوروبي". وهذا يعني، في جوهره، توجيه المحاكم البريطانية لاتباع تفسير محكمة العدل الأوروبية بحيث تظل القواعد كما هي.
تسهيلات محتملة
تلفت المجلة إلى أن التشريع الجديد قد يسهّل التوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي في مجال الأغذية والزراعة، وهو مصدر رئيسي للاحتكاك بعد البريكست للشركات التي تحاول ممارسة الأعمال التجارية عبر الحدود. ويقول بيريتز إن هذا "قد يسهل تنفيذ اتفاقية بيطرية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
وتأمل الحكومة البريطانية، وفقًا لـ"بوليتيكو"، أن يؤدي أي اتفاق من هذا القبيل مع الاتحاد الأوروبي إلى "منع عمليات التفتيش الحدودية غير الضرورية والمساعدة في معالجة تكلفة الغذاء".
فرص للقطاعين الصناعي والرقمي
يرى ريتشارد رامبيلو، مدير الشؤون الدولية في جمعية "ميك يو كيه" للمصنعين، أن مشروع القانون الجديد "يزيل عدم اليقين" الذي خلقه قانون الاحتفاظ بقانون الاتحاد الأوروبي الذي وضعه المحافظون، مضيفًا أنه يمنح الحكومة البريطانية "القدرة المستقبلية على تقييم وتنفيذ المتطلبات التنظيمية للمنتجات في الاتحاد الأوروبي في قانون بريطانيا العظمى لأسواق وفئات المنتجات الصناعية المحددة".
كما تشير "بوليتيكو" إلى أن جوانب من القانون الجديد قد تكون مشابهة لقانون الخدمات الرقمية الجديد في الاتحاد الأوروبي، وهو مجموعة قواعد شاملة مصممة لمعالجة كل شيء من المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت إلى البضائع الخطرة المباعة في الأسواق الإلكترونية.
خطوة رمزية
تخلص "بوليتيكو" إلى أن هذا التشريع قد يكون نقطة تحول في موقف المملكة المتحدة تجاه القوة التنظيمية المجاورة، ومع ذلك، فإن التوافق الفعلي مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في القطاعات الرئيسية، وما سيؤدي إليه من إزالة للحواجز التجارية، هو قفزة أكبر، وسيتطلب اتفاقًا مع الاتحاد.