مع تحوّل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا من الفتور إلى العداء الصريح، أصبحت قناة "روسيا اليوم" هدفًا متزايدًا للعقوبات الأمريكية. ومع تلك العقوبات، جاء موقف عدواني من قياداتها تجاه الأمريكيين، الذين بدورهم اتهموهم بمحاولات بث معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة في عدة مناسبات، أبرزها الانتخابات الأمريكية في 2016، التي فاز فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
والأربعاء الماضي، ذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من العقوبات، فقد وجّه المدعون الأمريكيون اتهامات إلى اثنين من موظفي القناة الروسية، الذين زُعم أنهما أدارا "عملية تأثير" واسعة النطاق، وغسلا ما يقرب من 10 ملايين دولار من خلال شركات وهمية لتمويل وتوجيه شركة في "تينيسي" نشرت آلاف مقاطع الفيديو باللغة الإنجليزية على منصات "تيك توك، وإنستجرام، وإكس، ويوتيوب".
وذكرت لائحة الاتهام أن "إيلينا ميخائيلوفنا أفاناسييفا"، و"كوستيانتين كلاشينكوف"، الموظفين في RT، استخدما شخصيات وهمية لتحرير ونشر وإخراج مقاطع فيديو أنشأها معلقون أمريكيون.
تضخيم الانقسامات
وبحسب الاتهامات، التي أوردتها NBC نيوز الأمريكية فإن المعلقين الذين ظهروا في مقاطع الفيديو -الذين لم يتم ذكر أسمائهم- قد "خُدِعوا" من قِبل موظفي "روسيا اليوم"، الذي انتحل أحدهما شخصية إدوارد جريجوريان، وهو متخصص مالي مزيف، ويُزعم أنهما "قاما بتجنيد المعلقين الأمريكيين، والتفاوض معهم، وإدارة العقود معهم، وتقديم المساعدة في الإنتاج والتحرير"، كما نقلت الشبكة الأمريكية.
وتضمنت الفيديوهات تعليقات على أحداث وقضايا داخلية أمريكية، بما في ذلك الهجرة والتضخم ومواضيع أخرى تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية.
وزُعم أن المحتوى "كان متسقًا في كثير من الأحيان مع مصلحة حكومة روسيا في تضخيم الانقسامات الداخلية الأمريكية، من أجل إضعاف معارضة الولايات المتحدة للمصالح الأساسية لحكومة روسيا، مثل حربها الجارية في أوكرانيا"، وفقًا للائحة الاتهام.
في المقابل، يوم الخميس الماضي، جدّدت رئيسة تحرير "روسيا اليوم" مارجريتا سيمونيان، سخريتها من السلطات الأمريكية، وأشارت إلى قدرتها على الوصول إلى الجمهور الأمريكي من خلال القناة.
وقالت سيمونيان: "سنخرج من الشقوق، ماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك، لأنهم يطردوننا من الباب ويرموننا من النافذة. سنقوم بعملنا طالما لدينا أدنى فرصة للقيام بذلك. هذا هو واجبنا تجاه الدولة التي أوكلت إلينا مثل هذه المسؤولية أولاً وقبل كل شيء، وفي هذه الحالة، لجمهورنا الأمريكي".
ونقل تقرير لشبكة NBC News الأمريكية عن ميلاني سميث، مديرة الأبحاث في معهد الحوار الاستراتيجي -وهو مركز أبحاث مقره لندن- إن قرار الاتهام "الخطوة الأكثر أهمية حتى الآن فيما يتعلق بعملية التأثير الروسية وما تفعله "روسيا اليوم" على وجه الخصوص.
لكن مع هذا، قالت "ميلاني" إن هذا قد يكون له تأثير ضئيل على جهود الدعاية الروسية الشاملة. مشيرة إلى أن القناة الروسية "استمرت في ابتكار طرق إبداعية لنشر محتواها عبر الإنترنت".
وقالت: "كانت روسيا تفعل هذا منذ فترة طويلة للغاية. لقد رأيناهم ينخرطون بشكل انتهازي في الأزمات الداخلية في الولايات المتحدة طوال هذا العام، ولم يكن هناك نقص في مثل هذه الأزمات".
وأضافت "ميلاني" أن اتهام قناة روسيا اليوم "ليس سوى جزء واحد من الحل -من وجهة نظرها- وبما أنها من الواضح وسيلة مرتبطة بشكل علني بالكرملين، فإن التأثير قد أصبح باهتًا إلى حد ما".
وزعمت مديرة الأبحاث في معهد الحوار الاستراتيجي أن وسائل الإعلام الروسية شنت حملة تضليل أخرى أكثر سرية، والمعروفة للباحثين باسم "البديل المطابق/Doppelganger"، التي يقول مسؤولون أمريكيون إنها شملت انتحال صفة وسائل إعلام أمريكية ودولية وبث أخبار مغلوطة من خلالها.
حصان طروادة
باعتبارها الصوت الروسي الأساسي باللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم، يتابع "روسيا اليوم" أكثر من 100 مليون مشاهد في الولايات المتحدة وأوروبا. كما وظّفت صحفيين أمريكيين، واكتسبت عددًا من المشاهدين على مر السنين من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل "إكس" و"يوتيوب"، وصار لديها أكثر من 3 ملايين متابع.
وبالطبع، ركّزت التغطيات الإخبارية للقناة الروسية على القصص الجارية بزاوية "مثيرة للانقسام تجاه السياسة الأمريكية"، كما وصفتها شبكة NBC News الأمريكية. وهو ما يجعلها أشبه بـ "حصان طروادة" الذي يخترق به الكرملين حدود الولايات الأمريكية.
وكانت "روسيا اليوم" تم تصنيفها سابقًا في الولايات المتحدة كمصدر للدعاية الروسية والمعلومات المضللة، وطلبت منها وزارة العدل الأمريكية تسجيل RT America كمؤسسة أجنبية في عام 2017، بعد النتائج التي توصلت إليها الاستخبارات الأمريكية، التي تفيد بأن المؤسسة الروسية ساهمت في جهود موسكو للتأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، من خلال التعاون مع "ويكيليكس"، ومن خلال العمل كمنصة لرسائل الكرملين إلى الجمهور الأمريكي، وتحديدًا الترويج للمرشح دونالد ترامب، وتشويه سمعة هيلاري كلينتون.