مستلهمًا شخصيات من التاريخ العربي والإسلامي في صياغة درامية شديدة الخصوصية، سطّر المخرج السوري حاتم علي مشواره الإبداعي ضمن قائمة لأبرز المخرجين العرب، قبل أن يرحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 29 ديسمبر عام 2020، قبل أسبوع واحد من بدء تصويره مسلسل "سفر برلك" الذي استكمل تصويره المخرج الليث حجو.
شكلت ظروف نشأة حاتم علي أفكاره الخاصة، حيث ولد في بلدة الفيق بالجولان عام 1962، وقبل أن يبلغ السادسة من عمره اضطر إلى السفر لأطراف مخيم اليرموك، بعد الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان عام 1967، ليُعاصر أحداثًا مهمة في التاريخ العربي، وعندما تأتيه الفرصة للتعبير عن أفكاره يبحث في تاريخها ويُعيد التذكير ببعض من رموزها والانتصارات التي تحققت بعد مرحلة انكسار.
بداية المشوار
وعلى درب عدد مهم وبارز من المخرجين الذين شاركوا بالتمثيل في أعمال فنية، شارك حاتم علي في بعض الأعمال لكن ما يميزه أنه بدأ المشوار الفني ممثلًا في الأساس، وتحديدًا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي على يد المخرج هيثم حقي، الذي توقع للشاب العشريني الوسيم مُستقبلا في عالم التمثيل وأنه سيكون نجمًا لامعًا ليضمه إلى فريق عمل مسلسل "دائرة النار"، رفقة الممثلين طلحت حمدي، وسمر شامي، ورشيد عساف، ثم يختاره الأردني محمد عزيزية في مسلسل "الرجل الأخير" مع عبد الهادي الصباغ، وصباح السالم، وجيانا عيد وغيرهم.
الملك فاروق
موهبة حاتم علي في التمثيل جعلته قادرًا على توجيه الممثلين من خلف الكاميرا، فهو يعرف جيدًا مناطق قوتهم. وهل سيؤدون المطلوب منهم أم لا؟، ونرى ذلك بوضوح مع أول لقاء للمخرج بالجمهور المصري الذي جاء أيضًا من باب مسلسلات السير الذاتية، إذ قدّم مسلسل "الملك فاروق" عام 2007، مستعينا ببطله المفضل تيم حسن ليُجسد شخصية الملك فاروق، ويراهن عليه رغم هجوم بعض الأقلام النقدية وقتها لاختياره ممثلًا سوريًا لتجسيد شخصية مصرية، وعدم اعتماده على أحد الممثلين المصريين، لكن العمل حقق نجاحًا كبيرًا على المستوى الجماهيري، ونال اعترافا من النقاد أيضًا بتميزه، إذ نال عنه جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة للإعلام العربي، كما نال بطله جائزة أفضل ممثل بالمهرجان ذاته.
تحت الأرض
وبنفس العين الثاقبة، راهن المخرج السوري في تجربته المصرية "تحت الأرض" عام 2013 على الممثل أمير كرارة؛ ليسند له أول بطولة مطلقة في مشواره الفني، في الوقت الذي كان أمير كرارة يكتفي بالأدوار الثانية بالسينما والتليفزيون، بل إنه عندما شارك في بطولة جماعية لمسلسل "طرف تالت" تصدرت وقتها صورة محمود عبد المغني الملصق الدعائي.
ويؤرخ الكثير من النقاد أن انطلاقة حاتم علي في عالم الإخراج جاءت من خلال مسلسل "الزير سالم" عام 2000، الذي يحكي عن عدي بن ربيعة التغلبي، المُلقب بـ"الزير سالم" أحد النماذج البطولية العربية، متعرضا بالطبع لـ حرب البسوس التي يذكر المؤرخون أنها استمرت نحو 40 عامًا، بين قبيلتي تغلب بن وائل وبني شيبان، لينال إعجاب النقاد والمتابعين، ويأخذ دفعة قوية لإخراج عدد كبير من مسلسلات السير الذاتية عن أبطال من التاريخ الإسلامي والعربي ومنهم صلاح الدين الأيوبي في مسلسل يحمل الاسم نفسه، بطولة جمال سليمان، وأيضا مسلسل "عمر" عن الصحابي عمر بن الخطاب، من بطولة باسم ياخور.
أعمال تاريخية مميزة
ونظرا لثقة المنتجين في قيمة أعمال المخرج السوري الراحل، لم يجدوا مانعًا في قبول طلباته بتوفير ميزانية ضخمة لأعماله، ظهرت نتائجها على الديكور وأماكن التصوير والإكسسوارات، لتظهر أعماله التاريخية في صورة مميزة لإبداعه الفني، خاصة أنها تروي حقبًا مهمة في تاريخنا العربي والإسلامي.
ورحل مخرج مسلسل "قرطبة"، و"ملوك الطوائف"، وفي مخططه الفني 3 أعمال لاقت مصائر مختلفة، إذ نفّذ المخرج الليث حجو مسلسل "سفر برلك"، فيما يحاول تيم الحسن تحويل مسلسل "الزير سالم" إلى فيلم سينمائي بالعنوان نفسه، وأعلن منذ نحو 4 أشهر أنه جارٍ التحضير للعمل، من تأليف بشار عباس، ومعالجة درامية للكاتب ماهر منصور، لكن لم يتم إعلان أي تفاصيل عنه منذ ذلك الوقت، أما المشروع الفني الثالث بعنوان "الختيار" فقد رحل بوفاة صاحبه في 29 ديسمبر من عام 2020.