في لحظة مفصلية تكاد تشبه العاصفة، تقف دولة الاحتلال الإسرائيلي على ما يشبه الصفيح الساخن، بين تعطيل الاقتصاد بإعلان عن الإضراب العام واحتجاجات حاشدة تجتاح مدينة تل أبيب، كوسيلة للضغط على حكومة الاحتلال للانتهاء من صفقة إنهاء الحرب وعودة المحتجزين الإسرائيليين.
وأعلن النقابي الإسرائيلي البارز أرنون بار دافيد، رئيس "الهستدروت" (الاتحاد العام لنقابات العمال في دولة الاحتلال) قرارًا مثيرًا يعكس حجم الغضب الشعبي والإحباط العام في إسرائيل، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بالإضراب الشامل الذي يُغلق فيه الاقتصاد بأكمله، في خطوة استثنائية تهدف إلى الضغط على الحكومة لإعادة المحتجزين من قطاع غزة وإبرام الصفقة.
وهو الغضب الذي جاء بعد مقتل 6 من المحتجزين الذين زعم جيش الاحتلال أنهم قُتلوا على يد حماس، بينما اتهمت الحركة جيش الاحتلال ذاته بالتسبب في مقتلهم لاستكمال مخطط الإبادة، وذلك وفق بيانات رسمية من الطرفين.
إعلان الإضراب وتأثيره على الاقتصاد
أعلن أرنون بار دافيد، رئيس "الهستدروت"، في بيان رسمي عن إغلاق كامل للاقتصاد الإسرائيلي غدًا الاثنين، ردًا على مقتل المحتجزين الستة في غزة وتأخير صفقة إعادتهم لأسباب سياسية، وهذا الإضراب الذي وصفه "بار دافيد" بأنه ضرورة أخلاقية يهدف إلى تحريك المياه الراكدة في الملف وإجبار الحكومة على اتخاذ خطوات حاسمة.
وأوضح "بار دافيد" أن الإضراب سيشمل جميع جوانب الحياة الاقتصادية في إسرائيل، حيث سيبدأ إغلاق المطار بالكامل اعتبارًا من الساعة السادسة صباحًا، مع توقف عمليات الهبوط والإقلاع ابتداءً من الثامنة صباحًا، وعلى الرغم من عدم وضوح مدة الإغلاق، فقد أشار إلى أن المجال الجوي سيبقى مفتوحًا مع احتمال حدوث تعطيلات.
على صعيد التعليم، أعلنت نقابة المعلمين أن الإضراب سيؤدي إلى إغلاق رياض الأطفال وعدم قبول الطلاب، بينما ستعمل المدارس جزئيًا حتى الساعة 11:45، ومع ذلك، ستعمل مراكز الرعاية النهارية ومؤسسات التعليم الخاص كالمعتاد.
انضمام الشركات والقطاعات المختلفة للإضراب
لم يكن الإضراب قاصرًا على القطاعات العامة فقط، بل امتد ليشمل القطاع الخاص، حيث أعلنت العديد من شركات التكنولوجيا الفائقة مثل Wix وFiverr وHoneybook وPlaytica وغيرها عن انضمامها للإضراب، كما قررت العديد من المطاعم والمسارح ودور السينما إغلاق أنشطتها لتشجيع الجمهور على الاحتجاج.
وفي الوقت ذاته، أعلن جهاز خدمات بلدية تل أبيب، في إشعار على صفحته بمنصة فيسبوك، أنه سيشارك في الإضراب لنصف يوم، كما أعلنت بعض البلديات عدم انضمامها للإضراب، منها: القدس، أشدود، نتانيا، وغيرها.
ردود الفعل السياسية والاجتماعية
عقب الإعلان عن الإضراب، ظهرت ردود فعل متباينة، في حين شكر ممثل عائلات المختطفين، شارون شرابي، رئيس الهستدروت على هذا القرار واعتبره خطوة نبيلة، هاجم منتدى "تكفا" الإضراب واعتبره حكمًا بالإعدام على بقية المختطفين ومكافأة للعدو.
من جانبه، دعا يائير لابيد، زعيم المعارضة، إلى الانضمام إلى الإضراب الكبير في تل أبيب، واصفًا هذه اللحظة بأنها اختبار حقيقي للوحدة الوطنية والضمان المتبادل.
تهديدات رسمية
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الأحد، أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قال إن "الإضراب المقرر غدًا الاثنين غير قانوني، ومَن سيشارك فيه لن يحصل على أجره".
وأضافت أن هذا التصريح بعد إعلان الإضراب احتجاجًا على استعادة جثث 6 محتجزين لدى الفصائل الفلسطينية فى غزة وعدم إبرام صفقة تعيدهم أحياء.
مظاهرات حاشدة
وتجمع متظاهرون إسرائيليون أمام مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة تنديدًا بما يصفونه بتخلي الحكومة عن المحتجزين في قطاع غزة، والمطالبة بصفقة تبادل للمحتجزين، وذلك بعد إعلان الاحتلال انتشال جثث 6 محتجزين صباح اليوم.
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلًا عن منظمي الاحتجاجات أن أعدادهم وصلت 700 ألف شخص تظاهروا في جميع أنحاء البلاد الليلة، وأن عدد المشاركين في المظاهرة الرئيسية في كابلان بتل أبيب يبلغ 550 ألف شخص.
قلق نتنياهو
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، تجمع أكثر من 100 ألف متظاهر إسرائيلي في تل أبيب، أمام مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة تنديدًا بما يصفونه بتخلي الحكومة عن المحتجزين في قطاع غزة، والمطالبة بصفقة تبادل للمحتجزين.
وأضافت الإعلام الإسرائيلي، أن المتظاهرين يغلقون جسر الأوتار عند مدخل القدس وقوات الشرطة تفرقهم، كما تم إغلاق مفارق طرق عدة في أكثر من موقع في إسرائيل.
وأغلق طرق أيالون باتجاه الشمال والجنوب في منطقة تل أبيب، ونزل الآلاف إلى الطريق، وفي شمال أيالون تم إشعال ثلاث نيران على الأقل، ورددت الحشود مجموعة متنوعة من الشعارات، بما في ذلك "اتفاق - الآن!"، كما تم إنزال "نعش" يرمز إلى مقتل المختطفين الستة على الطريق هناك.
في ظل التصعيد المستمر والضغوط المتزايدة، يبقى السؤال: هل سيحقق هذا الإضراب وهذه الاحتجاجات هدفها في إعادة المحتجزين؟ أم أنه سيزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في إسرائيل؟ في كل الأحوال، يظل هذا اليوم شاهدًا على لحظة فارقة في تاريخ دولة الاحتلال.