في خطوةٍ تهدف إلى إحداث تحول جذري في الصحة العامة، كشفت الحكومة البريطانية عن استراتيجية شاملة لمكافحة التدخين، تتضمن حظره في الأماكن المفتوحة وتقييد بيعه بشكل كبير؛ ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاجتماعية، ممثلًا تحديًا كبيرًا لصناعة التبغ.
خطة شاملة
كشفت وزيرة التعليم البريطانية، جاكي سميث، لقناة "سكاي نيوز" البريطانية، عن تفاصيل خطة الحكومة الشاملة لمكافحة التدخين.
ووفقًا لما نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية، أكدت "سميث" أن الهدف الرئيسي هو "جعل الأماكن التي يمكنك التدخين فيها أقل". وأضافت أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق بيئة تدفع المدخنين بشكل طبيعي نحو الإقلاع عن التدخين.
أوضحت سميث أن الخطة الحكومية لمكافحة التدخين تتضمن عدة محاور رئيسية، تهدف إلى إحداث تغيير جذري في ثقافة التدخين في بريطانيا، في مقدمتها يأتي حظر التدخين في الأماكن العامة المفتوحة، بما في ذلك الحدائق والشواطئ ومناطق تناول الطعام الخارجية، وهو ما يمثل توسعًا كبيرًا لنطاق الحظر الحالي.
كما تتضمن الخطة رفع السن القانونية لشراء السجائر بشكل تدريجي، وهو إجراء يهدف إلى منع الأجيال الجديدة من البدء في التدخين، بالإضافة لاعتزام الحكومة توفير المزيد من الدعم والموارد لبرامج الإقلاع عن التدخين؛ ما يساعد المدخنين الحاليين على التخلص من هذه العادة.
وتشمل الخطة تشديد القيود على الإعلان عن منتجات التبغ وتسويقها؛ ما يحد من قدرة شركات التبغ على جذب مستهلكين جدد.
وشددت الوزيرة على أن هذه الإجراءات ليست مجرد قيود، بل هي جزء من رؤية شاملة لتحسين الصحة العامة وتخفيف الضغط على نظام الرعاية الصحية الوطني، مشيرة إلى أن التدخين يتسبب في وفاة ما يقرب من 80,000 شخص سنويًا في بريطانيا، وهو ما يفوق بكثير أي تأثير اقتصادي سلبي محتمل على قطاعات معينة مثل الضيافة.
ردود فعل متباينة
أثارت خطط الحكومة ردود فعل متباينة في المجتمع البريطاني، فمن جهة، رحب خبراء الصحة العامة بهذه الخطوة، معتبرين إياها ضرورية لحماية صحة الأجيال القادمة، إذ صرح الدكتور جون سميث، أستاذ الصحة العامة في جامعة لندن، للجارديان قائلًا: "هذه الخطوة ستنقذ آلاف الأرواح وستقلل بشكل كبير من الأمراض المرتبطة بالتدخين. إنها استثمار في مستقبل صحي لبريطانيا."
من جهة أخرى، عبر ممثلو قطاع الضيافة عن مخاوفهم من التأثير السلبي المحتمل على أعمالهم، إذ قال جيمس براون، رئيس جمعية أصحاب الحانات البريطانية: "نحن نتفهم أهمية الصحة العامة، لكننا نخشى أن يؤدي هذا الحظر إلى انخفاض كبير في عدد الزبائن، خاصة في المناطق التي تعتمد على الأماكن الخارجية."
ومع ذلك، كشفت استطلاعات الرأي، وفقًا لما نقلته الجارديان، أن الغالبية العظمى من البريطانيين يؤيدون هذه الخطوة، حيث أظهر استطلاع أجرته مؤسسة يوجوف أن 73% من البريطانيين يدعمون حظر التدخين في الأماكن العامة المفتوحة، مع ارتفاع هذه النسبة إلى 85% بين غير المدخنين.
عقبات مُحتملة
رغم الدعم الشعبي الواسع لهذه الخطة، تواجه الحكومة البريطانية عددًا من التحديات والعقبات المحتملة في تنفيذها، في مقدمتها المعارضة المتوقعة من شركات التبغ، التي من المرجح أن تشن حملة قوية ضد هذه الإجراءات، مستخدمة حججًا تتعلق بالحريات الشخصية والتأثير الاقتصادي، كما تواجه الحكومة صعوبات في التنفيذ، حيث قد يكون من الصعب تطبيق الحظر في جميع الأماكن المفتوحة، ما يتطلب موارد إضافية للرقابة والتنفيذ.
على الصعيد الاقتصادي، قد تتأثر بعض القطاعات، خاصة الضيافة والسياحة، بشكل سلبي في البداية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضغوط سياسية على الحكومة.
وأخيرًا، تواجه الخطة تحديًا ثقافيًا يتمثل في مقاومة تغيير عادات التدخين المتجذرة في المجتمع، خاصة بين بعض الفئات التي قد ترى في هذه الإجراءات تعديًا على حرياتها الشخصية.