في قلب ميادين المعارك القاسية، حيث تتجلى الشجاعة والتضحيات، يبدو أن هناك عدوًا آخر يتربص بجنود الاحتلال الإسرائيلي، لكنه ليس العدو الذي يتوقعونه. إنه سلسلة من الأخطاء العسكرية المتكررة التي تحولت إلى سكين حاد يطعن في خاصرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، مسببًا خسائر فادحة في صفوف جنوده.
هذه الأخطاء، التي يفترض أن تكون استثناءات، باتت تتكرر وكأنها مشهد مأسوي متكرر، حيث يدفع الجنود حياتهم ثمنًا للقرارات الخاطئة، أو نقص التنسيق، أو ربما سوء الفهم.
مقتل ضابط صف
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، مقتل ضابط صف من الدرجة الأولى يدعى "ديفيد موشيه" بسبب صاروخ اعتراضي من نظام القبة الحديدية أُطلق بطريق الخطأ لاعتراض طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله، وفق صحيفة "إسرائيل هيوم".
ضابط الصف الإسرائيلي الذي قُتل بسبب خطأ إسرائيلي كان بحارًا في الأسطول 914 التابع للبحرية الإسرائيلية، ومن سكان قرية جيفا بنيامين المحتلة. ويعد الجندي الثاني من القرية نفسها الذي يسقط في القتال خلال الأسبوع الماضي.
ضرب السفينة بالخطأ
ووفقًا لصحيفة "إسرائيل هيوم"، فتحت القوات البحرية والجوية الإسرائيلية تحقيقًا في الحادث أشار إلى أن صاروخًا اعتراضيًا من نظام القبة الحديدية أُطلق باتجاه طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله، وبسبب عطل نادر، تسبب الصاروخ الاعتراضي في تغيير هدفه عن طريق الخطأ أثناء الحركة وضرب السفينة بدلاً من الطائرة بدون طيار.
أصاب الصاروخ السطح الخلفي لسفينة الدورية التابعة للقوات البحرية الإسرائيلية، حيث تم العثور على أجزاء من الصاروخ التي لم تنفجر على سطح السفينة.
ويُظهر التحقيق الأولي أنه من المحتمل أن السفينة أُصيبت بإصابة مباشرة بواسطة معترض القبة الحديدية أو بشظايا اعتراضية أصابت السفينة العسكرية بعد اعتراض طائرة بدون طيار في المنطقة. تعرضت السفينة العسكرية نفسها لأضرار ميكانيكية وتم نقلها إلى قاعدة حيفا لإصلاحها.
الحادث الثاني خلال أسبوعين
هذا هو الحادث الثاني غير الطبيعي للقبة الحديدية في الشمال خلال نحو أسبوعين، بعد مقتل الإسرائيلي "ميخائيل سمارة" على إحدى الطرق السريعة نتيجة سوء التخطيط لمهمة اعتراض انتهت بانفجار قاتل لصاروخ اعتراضي على الطريق، وفق "يديعوت أحرونوت".
وفي الأسبوع الماضي، أعلن جيش الاحتلال عما وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"كارثة في خان يونس"، مشيرًا إلى استهداف مقاتلة إسرائيلية لمبنى تحتمي فيه قوات من المظليين التابعين لجيش الاحتلال في قطاع غزة؛ ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة عدد من الجنود.
قتيل و6 مصابين
في 19 أغسطس الجاري، قُتل الملازم شاهار بن نون، البالغ من العمر 21 عامًا، وهو قائد فريق في دورية مظليين تابعة لجيش الاحتلال، وأصيب 6 جنود آخرين صباح الاثنين خلال غارة جوية إسرائيلية على أطراف حي حمد غرب خان يونس في قطاع غزة، جراء إصابتهم بقنبلة أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية.
وأرجعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" خطأ المقاتلة الإسرائيلية التي استهدفت جنودًا إسرائيليين إلى ما وصفته بـ"العطل الفني"، ووفقًا للصحيفة، فقد قُتل 694 جنديًا إسرائيليًا في حرب غزة، منهم 333 منذ بدء العمليات البرية في القطاع في 27 أكتوبر الماضي.
تحقيقات أولية
وفقًا للصحيفة، كشفت التحقيقات الأولية أنه في صباح يوم 19 أغسطس الجاري، وقع انفجار في مبنى مكون من 6 طوابق كانت توجد فيه قوة من دورية المظليين، ما أدى إلى انهيار جزء من المبنى على الجنود. وتم إجلاء القتيل والمصابين بواسطة طائرات مروحية إلى مستشفيات في إسرائيل.
تقوم القوات الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالتحقق مما إذا كان هناك خلل في الأجزاء الداخلية للقنبلة الذكية، لأنها انحرفت قليلًا إلى يسار خط هدفها الأصلي.
ليس جيشًا محترفًا
يقول رافائيل كوهين، مدير برنامج "الاستراتيجية والعقيدة" في مشروع القوات الجوية التابع لمؤسسة راند: "اعتادت إسرائيل تمجيد جيشها قبل طوفان الأقصى، في مزيج من القومية والإيمان العميق، وإن كان في غير محله".
وأضاف كوهين: "يعتبر الجيش الإسرائيلي في جوهره تجمعًا عسكريًا وليس جيشًا محترفًا. لقد تم تصميم الجيش الإسرائيلي عمدًا ليكون ما أسماه رئيس الوزراء المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن جوريون.. "جيش الشعب"، وهو انعكاس للمجتمع نفسه".
وتابع كوهين: "خلال صباح يوم واحد، حطمت حماس إحساس الإسرائيليين بالأمن، إلى جانب ثقتهم في قدرة الجيش الإسرائيلي. لذلك يسود الشعور بالفشل الشخصي، بل والعار الذي يثقل كاهل الضباط الإسرائيليين كل يوم".
افتقار إلى قيود الجيوش
ويفخر الإسرائيليون بعدم وجود القيود الهيكلية التي تعاني منها جيوش الولايات المتحدة والدول الأخرى، حيث الضباط أصغر سنًا من نظرائهم. فنجد ضباطًا في العشرينات من العمر يقودون مجندين في أواخر سن المراهقة.
يقول كوهين: "تلفت البيانات المستمدة من عدوان غزة الحالي إلى أن الضباط، من الملازمين إلى رتبة كولونيل، يشكلون ما يقرب من ربع إجمالي الخسائر القتالية التي تكبدها الجيش الإسرائيلي حتى الآن".
وأكد أن "هذا الافتقار إلى الانضباط العسكري يشكل أهمية بالغة في إدارة الحرب اليوم، لكن الأمر سيكون أكثر أهمية عندما تنتهي الحرب وينتقل الصراع إلى مرحلة إعادة الإعمار".