يراهن جيش الاحتلال الإسرائيلي على تأجيج المعارضة الداخلية ضد حزب الله اللبناني، من خلال ضربة عسكرية لجنوب لبنان تفاقم أزمات الشعب هناك، وتفجر بركان الغضب اللبناني ضد الجماعة المُسلحة، وفق ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
ومنذ الثامن من أكتوبر الماضي، يتبادل حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال القصف عبر الحدود بين جنوب لبنان والمستوطنات الشمالية. وتصاعد القصف بين الجانبين بعد اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر، في عملية إسرائيلية بضاحية جنوب بيروت، في 30 يوليو الماضي، ما أثار المخاوف من اندلاع حرب شاملة بين الطرفين.
وفي تحليل نشرته "فورين بوليسي"، قالت الكاتبة والباحثة أنشال فوهرا، إن مشاعر الخوف من نشوب حرب مدمرة "بدأت تنتشر في أوساط اللبنانيين، حيث باشروا في تخزين الضروريات الأساسية، وشراء الطعام والوقود والحفاضات بكميات كبيرة.
كما وضعت بعض الدول الغربية قواتها في حالة تأهب؛ استعدادًا لتنفيذ عمليات إجلاء، في حين دعت دول أخرى رعاياها إلى مغادرة لبنان، خاصة أن بعض الرحلات الجوية التجارية لاتزال متاحة.
والأسبوع الماضي، سادت حالة من الفوضى بمطار رفيق الحريري في بيروت، وهو المطار الدولي الوحيد في البلاد، والذي تعرض للقصف في آخر صراع بين إسرائيل وحزب الله عام 2006.
وكانت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قد حلقت في الأيام الماضية على ارتفاع منخفض في المجال الجوي اللبناني، حيث كسرت حاجز الصوت وحطمت النوافذ في العديد من المباني، بينما بثت طائرة بدون طيار إسرائيلية رسالة باللغة العربية تدعو السكان في بنت جبيل، وهي بلدة في جنوب لبنان، إلى التمرد ضد حزب الله.
وحسب "فوهرا"، فإن "الجميع في لبنان يتفقون على أن احتمال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل بات أعلى من أي وقت مضى، منذ حرب يوليو عام 2006 بين الجانبين".
وحينها، خاض حزب الله وإسرائيل حربًا دامية استمرت شهرًا، وتسببت بتدمير مساحات واسعة من جنوب لبنان.
وأدى الرد الإسرائيلي القاسي إلى التفاف العديد من الفصائل اللبنانية حول حزب الله، لكن اليوم "قد يلوم الكثيرون في البلاد حزب الله على أي دمار إضافي للبلاد، بدلًا من دعمه"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن النائب آلان عون قوله، إن "حزب الله عالق.. فهو بحاجة للانتقام لاغتيال أحد قادته، لكن في الوقت نفسه لا تزال صورة حرب 2006 في ذهنه"، وتابع "عون" أن حزب الله "يعلم أن الشعب اللبناني لا يستطيع تحمل ذلك بعد الآن".
ونبهت الباحثة فوهرا في تحليلها بفورين بوليسي، إلى أن الحدود بين البلدين كانت هادئة في الغالب منذ حرب 2006، بينما كانت المعارضة الداخلية لحزب الله في تزايد مستمر، خاصة بعد الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت قبل نحو 4 أعوام، والذي يعد أكبر انفجار غير نووي في التاريخ.
ورأت الكاتبة أن إحدى الاستراتيجيات التي يفكر فيها الإسرائيليون الآن هي "إبقاء أي هجمات محدودة على المناطق التي يهيمن عليها حزب الله في جنوب لبنان، وضاحية بيروت، ووادي البقاع"، لافتة إلى أن هذا من شأنه أن "يعطل الاقتصاد اللبناني المنهار بالفعل".
وشددت على أن الهدف الاستراتيجي الرئيسي سيكون "نزوح أنصار الحزب من الجنوب إلى مناطق أخرى في لبنان؛ مما يؤدي إلى زيادة التوترات الطائفية والاجتماعية في بلد يقوم الحكم فيه على نوع من التوافق بين المذاهب والطوائف التي يبلغ عددها نحو 18 طائفة معترفًا بها رسميًا".
واعتبرت فوهرا أن "المخاوف من ذلك الهدف الاستراتيجي، قد يردع حزب الله محليًا"، مستشهدة بتصريح لنائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إران ليرمان، قال فيه: "أشعر بالقلق بشأن الطائفة الشيعية في لبنان، فالكثير من الناس لديهم حسابات لتسويتها مع حزب الله منذ انفجار بيروت، أو بسبب مقتل الكثير من السنة في الحرب السورية".
وشدد ليرمان على أن بلاده "ليست لديها أية مواقف ضد الشعب اللبناني، مضيفًا: "حتى إذا اندلعت حرب واسعة النطاق، فإن إسرائيل ستحاول عدم مهاجمة البنية التحتية اللبنانية، والبحث عن أشخاص يمكننا العمل معهم على الأرض"، في إشارة إلى الأطراف المحلية المناهضة لحزب الله.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية -مع انخفاض قيمة العملة اللبنانية، وانزلاق البلاد إلى أزمة اقتصادية، وانفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص- أصبحت المعارضة لحزب الله أكثر صراحة، حتى داخل البيئة الحاضنة له، لكن لا توجد أرقام واضحة بشأن ذلك، حيث يعتقد بعض المحللين أنه من غير المؤكد كيف سيتفاعل اللبنانيون إذا حدثت مواجهة مع إسرائيل.
وتختلف التقديرات بشأن نجاح استراتيجية إسرائيل في الاعتماد على المعارضة اللبنانية والبحث عن حلفاء محليين، فهناك تخوف من حدوث "إجماع" أو "توافق وطني" بشأن الحرب مع إسرائيل، حسب "فورين بوليسي".
لكن السبب الأهم، وفق فوهرا، هو أن اللبنانيين المعارضين لحزب الله "قد لا تكون لديهم القدرة على مواجهة ميليشيات تمتلك عشرات آلاف المقاتلين الملتزمين عقائديًا، ويملكون ترسانة أسلحة كبيرة".
وهنا، يشير جورج عقيص، النائب في حزب "القوات اللبنانية"، والذي يعد من أكبر المناهضين لحزب الله، إلى خطورة السلاح الذي يمتلكه حزب الله ويمنع الآخرين من الوقوف بوجهه بشكلٍ فعّالٍ.
واستبعد عقيص حدوث حرب أهلية، قائلًا: "حزب الله وحده هو الذي يمتلك السلاح، وبالتالي لا يمكن حدوث حرب بين أطراف غير متكافئة".
واعتبارًا من عام 2021، اعتقدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن حزب الله يمتلك ترسانة تصل إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة، بعضها بعيدة المدى والتي لديها مجتمعة القدرة على إغراق نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، ويُمكن أن تضرب عمق أراضي الاحتلال.