يشعر الطفل الصغير أن بداخله اتجاهًا فنيًا، لكنه لا يعرف أين الطريق وماذا يفعل؟.. يقرأ كثيرًا ويهتم بأخبار الفنانين، يقتطع من مصروفه ليذهب إلى السينما بعد مدرسته، محاولًا إرضاء شغف الفن بداخله، يشعر مُدرسه بتلك اللمحة فيعرض عليه أن يقول كلمة المدرسة في طابور الصباح، كما يقترح عليه دخول فرقة التمثيل بالمدرسة.
يفرح الطفل محمد كمال الشناوي بتلك الخطوات، ويسير مع الفن رحلة طويلة، حتى يكبر ولكن تقوده المصادفة لأن يصبح مُدرسًا للرسم لمدة أربع سنوات، لكن شغف التمثيل والفن ما زال يُغريه، فيجد نفسه يتعلم الموسيقى ويلتحق بالمعهد العالي للموسيقى، فالروح المُحبة بداخله تقوده لكل ما يتعلق بالفن.
يكتشف كمال الشناوي أنه لم يشبع هوايته بعد، خاصة أنه لم يكن تأسس معهد للتمثيل وقتذاك، فيقرر الشاب المولود في مثل هذا اليوم عام 1921 أن يقترح على عميد معهد التربية إنشاء قسمًا للتمثيل، وحينما ذهب له باقتراحه طرده وفصله عن المعهد، ورفض الفكرة تمامًا، لكن الشاب كمال الشناوي لم ييأس ووسط الدكتور كمال النحاس ليقنع العميد بمقابلة أخرى مع هذا الشاب الذي يذهب إليه ويعرض عليه الفكرة فيحبها ويقرر أن ينشئ فريقًا للتمثيل؛ لينطلق دنجوان السينما كمال الشناوي في مسيرته ليصنع مجدًا تحكي عنه الأجيال.
عمل كمال الشناوي في الإذاعة بصحبة مجموعة من الفنانين كهواة، وكان يتقاضى وقتها 50 قرشًا، إذ لم تكن الأموال غايته بل كان يبحث عن كل ما يُشبع رغبته الفنية، محاولًا أن يشق طريقة في التمثيل بكل السُبل، وبالمصادفة يقابل أحد أصدقائه من أسيوط عام 1947، الذي تعجب كيف لهذا الشاب الموهوب الطموح ألا يصل إلى حلمه حتى الآن؟!
فيخبره كمال الشناوي أنه يئس من البحث، ليُعرفه على شقيقه المخرج نيازي مصطفى، الذي قابله وأعجب بموهبته وطموحه، ويخبره باستعداده لعمل فني بعد شهر وسيتواصل معه، ولكن يشاء القدر أن تضيع طرق التواصل مع "الشناوي" من قِبل نيازي، ولكن صديقه (شقيق نيازي) يتعجب لماذا لم يذهب للتمثيل معه، فيخبره أنه لم يتواصل معه حتى الآن، فيهاتفه ليعرف السبب ويكتشف أن طرق التواصل معه ضاعت منه وأنه يبحث عنه بالفعل؛ لتكون الانطلاقة الأولى لكمال الشناوي كمحترف للتمثيل بأجر 100 جنيه.
ينجح الدور، ويصبح لكمال الشناوي اسم لامع في الوسط الفني، وتنهال عليه العروض ليُقدم في العام نفسه مجموعة من الأعمال السينمائية التي فتحت له طريق النجومية وإثبات موهبته، منها "حمامة سلام" و"عدالة السماء".
كمال الشناوي الذق قدّم أكثر من 200 فيلم في مشواره متنوعين بين الكوميدي والتراجيدي والشر، كان يُلقب نفسه بـ"وزير السينما"، ويكشف عن سبب هذا ويقول في لقاء تلفزيوني: "أنا ألعب كل الأدوار وأنا وزير في مملكتي، ولا أحد يفرض عليّ رأيه أو تفكيره، وأحب أن أنوّع أدواري وأبسّط الشخصية للمُشاهد".
لُقّب أيضًا كمال الشناوي بـ"دنجوان السينما"، ويتحدث عن هذا اللقب في لقاء متلفز قائلًا: "أنا معشوق أكثر من كوني عاشقًا وهذا شيء طبيعي لأنني أحمل تفاصيل جيدة أحبها الناس، كما أنني تألمت وعشت فترات مُعذبًا في الحب ودموع وآلام وكنت رومانسيًا بحياتي الشخصية".
الدنجوان الذي قدّم الحب في أعماله تزوج 5 مرات؛ الأولى من الفنانة الاستعراضية الراحلة "هاجر حمدي"، وأنجب منها ابنه محمد، والثانية عفاف شاكر شقيقة الفنانة شادية، والثالثة زيزي الدجوي، وأنجب منها عمر وإيمان، أما الزيجة الرابعة فكانت من الفنانة الراحلة ناهد شريف، والأخيرة كانت اللبنانية عفاف نصري.
في آخر أيام الدنجوان كان له رأى في وضع السينما، إذ يقول: السينما حاليًا مليئة بالموضوعات الاجتماعية من أجل أن تكون على هوى الجماهير لكنها ليست قوية، كما أنني أرى ممثلين يكررون أنفسهم، والمنتجون لا يكتشفون وجوهًا جديدة، ولا أرى نجومية مثل التي كانت موجودة في زماننا".
في عام 2011 تمكن مرض السرطان من جسد الوزير العاشق للفن ليُنهي حياته، ولكنه لم يُنه مسيرته التي ظلت تتناقل بين الأجيال.