بينما أشاد العديد من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي بالقرار المفاجئ الذي اتخذه وزير الدفاع، لويد أوستن، بسحب صفقة الإقرار بالذنب المثيرة للجدل، التي تم التوصل إليها مع العقل المدبر المزعوم وراء هجمات 11 سبتمبر 2001 واثنين من المتهمين معه؛ كانت بعض عائلات الأمريكيين الذين قتلوا في الهجمات تضغط من أجل إغلاق القضية بعد سنوات من التقاضي.
وكانت الصفقة التي تم إلغاؤها للعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد وشريكيه المزعومين، وليد بن عطاش ومصطفى الهوساوي، ستنص على أحكام بالسجن مدى الحياة لكل من المتهمين الثلاثة في مقابل الإقرار بالذنب، كما كانت الصفقة ستتجاوز المحاكمة.
لكن التراجع الذي حدث في وقت متأخر من يوم الجمعة لم يخمد تمامًا موجة التدقيق التي أحاطت بصفقة الإقرار بالذنب والتفاصيل المحيطة بكيفية التوصل إليها.
فقد اتهمت بعض أسر القتلى في الهجمات أوستن بخيانة مصالحها، في حين تعهدت منظمة الحريات المدنية الأمريكية بتحدي قرار لويد في المحكمة، كما ذكرت صحيفة "بوليتيكو".
وأضافت هذه الخطوة منعطفًا آخر إلى التقاضي المتوقف الذي تشرف عليه لجنة عسكرية أمريكية منذ عام 2008 ضد المتهمين بالتخطيط للهجمات؛ حيث تباطأت قضاياهم بسبب المناقشة حول مدى جواز قبول الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب.
عكس المسار
بعد أن أعلن أوستن أمره المفاجئ، والذي أوضح فيه أنه يملك السلطة لإبطال اتفاقيات الإقرار بالذنب "في ضوء أهمية القرار"، دخل بعض أعضاء الكونجرس في النقاش، ووصفوا هذه الخطوة بأنها خطوة ضرورية لتحقيق العدالة لضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وفي بيان، قال رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، إن إدارة بايدن "كانت محقة في عكس المسار"، بعد أن بدأت لجنة الرقابة والقوات المسلحة في مجلس النواب بقيادة الجمهوريين تحقيقات فيما وصفه جونسون بـ "صفقة الإقرار بالذنب الرهيبة".
وكتب جونسون على موقع "إكس": "الآن حققوا العدالة التي طال انتظارها لعائلات ضحايا 11 سبتمبر".
كانت لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب قد أرسلت خطابًا وقعه أعضاء جمهوريون وديمقراطيون إلى أوستن يوم الخميس قبل إلغاء صفقة الإقرار بالذنب، مطالبة الوزير بتقديم مجموعة كبيرة من الوثائق والاتصالات المتعلقة بالصفقة بحلول 23 أغسطس.
وقال النائب مايك روجرز -جمهوري من ألاباما- إن اللجنة ستستمر في المطالبة بإجابات من أوستن، على الرغم من إلغاء صفقة الإقرار بالذنب.
ودعا النائب مايك لولر -جمهوري من يورك- في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، والذي انضم إلى موجة الانتقادات ضد صفقة الإقرار بالذنب التي تم التوصل إليها في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى أي اتفاق مستقبلي لضمان عقوبة الإعدام لـ "هؤلاء الأوغاد الإرهابيين"، وفق تعبيره.
كما أيدت النائبة نيكول ماليوتاكيس -جمهورية من نيويورك- عقوبة الإعدام أيضًا، وقالت: "دعونا نحدد موعدًا للمحاكمة".
في المقابل، سعت إدارة بايدن إلى إبعاد نفسها عن صفقة الإقرار بالذنب، حيث أكد البيت الأبيض أنه لم يكن على علم بالصفقة قبل الإعلان عنها.
وقال النائب جريجوري ميكس -ديمقراطي من نيويورك- وهو عضو آخر في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في مقابلة مع شبكة CNN، إن الصفقة على ما يبدو "لم يوافق عليها أوستن"، رغم أنه لا يدعم عقوبة الإعدام كبديل.
عائلات الضحايا
أثار الجدل المفاجئ في القضية التي استمرت لسنوات طويلة، إحباط أسر ما يقرب من 3000 شخص قتلوا في الهجمات، كما أثار قلق جماعات قانونية كبرى، مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكية.
وقالت إحدى مجموعات أسر ضحايا 11 سبتمبر، وهي منظمة "عدالة 11/9"، في بيان عبر البريد الإلكتروني، إنها "مندهشة" لعدم استشارتها بشأن صفقة الإقرار بالذنب أو التراجع المفاجئ عنها.
وفي بيان لها، قالت المنظمة إن الشعب الأمريكي، وأسر الضحايا البالغ عددهم نحو 3000، يستحقون معرفة كل التفاصيل عن الهجمات وتورط المتهمين.
وأضافت: "لا ينبغي لهذا القرار أن يعيق جهودنا لمحاسبة المسؤولين عن أدوارهم في هذه المأساة المروعة".
وقالت مجموعة أخرى، وهي "عائلات 11 سبتمبر من أجل مستقبل سلمي"، إن أوستن "خان أسر الضحايا" والمدعين المكلفين بقيادة القضية ضد المتهمين، الذين كانوا قيد الاحتجاز منذ عام 2003.
وفي حين أن اتفاقيات الإقرار بالذنب التي تم التوصل إليها في الأصل هذا الأسبوع لم تكن ما كانت الأسر تأمله، قالت المجموعة إن الاتفاقات "وفرت مسارًا للنهاية"، بعد سنوات من التقاضي و"قدرًا ضئيلًا من العدالة والمساءلة" لمرتكبي الهجمات.
وكتبت المجموعة: "نطلب من وزير العدل أوستن أن يجتمع مع فريق الادعاء في هجمات 11 سبتمبر، وأن يتعرف على التعقيدات العميقة والعيوب في القضية، وأن يصل إلى استنتاجه الخاص بأن اتفاقيات ما قبل المحاكمة ستوفر النهاية والمساءلة التي نستحقها جميعًا".
وتعهدت منظمة اتحاد الحريات المدنية الأمريكية بملاحقة القرار الذي اتخذه أوستن "وهو ما يعكس مشاعر الخيانة التي عبر عنها أفراد أسرة ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، ويُشير إلى أن السياسة ونفوذ القيادة كانا سببًا في التأثير على القرار "، وفق ما نقلت "بوليتيكو".
وقد أيدت منظمة اتحاد الحريات المدنية الأمريكية صفقات الإقرار بالذنب، مشيرة إلى الحاجة إلى إغلاق القضية، والاحتمال الضئيل بأن تسمح المحاكم الفيدرالية للمتهمين بإقرار عقوبة الإعدام؛ "لأنهم تعرضوا للتعذيب في لجان عسكرية غير عادلة بطبيعتها".