شهدت إيران تحولًا سياسيًا لافتًا مع فوز مسعود بزشكيان، المرشح الإصلاحي المُعتدل، في انتخابات الرئاسة عام 2024. هذا الفوز، الذي جاء مفاجئًا للكثيرين، يمثل نقطة تحول محتملة في مسار الجمهورية الإسلامية. يتبنى "بزشكيان" استراتيجية فريدة تهدف إلى الموازنة بين تطلعات الإصلاحيين وحذر المحافظين، في محاولة لإحداث تغيير تدريجي دون إثارة صدام مع المؤسسة الحاكمة، في هذا الصدد تستعرض مجلة "فورين أفيرز"، ملامح هذه الاستراتيجية وتأثيرها المحتمل على مستقبل إيران السياسي والاقتصادي.
تحول في المشهد السياسي الإيراني
وفقًا لتحليل "فورين أفيرز"، جاء انتخاب بزشكيان في سياق تحولات عميقة شهدتها إيران في السنوات الأخيرة، فبعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث مروحية في مايو 2024، اتخذ المرشد الأعلى على خامنئي قرارًا مفاجئًا بالسماح لمرشح إصلاحي بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية.
يشير المقال إلى أن هذا القرار جاء كرد فعل على الاحتجاجات الواسعة التي اجتاحت إيران في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني بعد تعرضها للاعتداء من قبل شرطة الأخلاق في البلاد عام 2022.
وتنقل المجلة عن محللين قولهم إن خامنئي أدرك أن استمرار النهج المتشدد قد يؤدي إلى تآكل شرعية النظام وزيادة حدة الاضطرابات الداخلية.
لذا، كان السماح بترشح شخصية إصلاحية معتدلة مثل بزشكيان بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع وإعادة الثقة في العملية السياسية.
جسر بين التيارات المتصارعة
برز مسعود بزشكيان كشخصية فريدة قادرة على جمع شرائح متنوعة من المجتمع الإيراني، فهو جراح قلب ذو سمعة طيبة، وله خلفية أكاديمية كرئيس سابق لإحدى الجامعات، كما أنه شغل منصب وزير الصحة سابقًا وكان عضوًا في البرلمان، مما أكسبه خبرة سياسية وإدارية واسعة.
وتشير فورين أفيرز إلى أن خلفية بزشكيان العرقية، إذ إنه من أصول كردية وأذرية، ساعدته في التواصل مع الأقليات العرقية في إيران، والتي كانت من أشد المناطق معارضة للنظام خلال احتجاجات 2022، ما جعله مرشحًا توافقيًا بامتياز.
جدير بالذكر أن بزشكيان نجح في كسب تأييد الإصلاحيين دون إثارة عداء المحافظين المعتدلين، إذ أعلن ولاءه للمرشد الأعلى وتعهد بعدم السعي لتغيير جذري في هوية الجمهورية الإسلامية، مما طمأن المؤسسة الحاكمة.
برنامج انتخابي يركز على الإصلاحات التدريجية
خلال حملته الانتخابية، تبنى بزشكيان نهجًا واقعيًا ركز على وعود بإصلاحات اجتماعية واقتصادية تدريجية، إذ وعد الرئيس المنتخب بمعالجة التضخم والأزمة الاقتصادية من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض معدلات التضخم المرتفعة وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين.
كما تعهد بتحسين الحوكمة ومكافحة الفساد عبر إصلاح الإدارة الحكومية وتعزيز الشفافية ومحاربة شبكات الفساد المؤسسي.
على الصعيد الاجتماعي، وعد بزشكيان بتخفيف القيود على لباس المرأة وتسهيل الوصول إلى الإنترنت، دون المساس بالأسس الأيديولوجية للنظام. هذا النهج الحذر يهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين تلبية مطالب الشارع وتجنب إثارة غضب المحافظين.
في مجال السياسة الخارجية، أعلن بزشكيان عن رغبته في إعادة التفاوض مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لتخفيف العقوبات الاقتصادية، ما يعكس إدراكه لأهمية الانفتاح الدبلوماسي في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.
وتنقل فورين أفيرز عن بزشكيان قوله إن هدفه هو "تحسين الحياة اليومية للإيرانيين" من خلال إصلاحات عملية وقابلة للتنفيذ، بدلًا من السعي لتغييرات جذرية قد تثير مقاومة شديدة من المؤسسة الحاكمة.
تحديات داخلية وخارجية
رغم فوزه في الانتخابات، يواجه بزشكيان تحديات كبيرة في تنفيذ برنامجه الإصلاحي، فعلى الصعيد الداخلي، لا يزال المحافظون المتشددون يسيطرون على مؤسسات مهمة في الدولة، بما فيها البرلمان ووسائل الإعلام الرسمية.
ومن المتوقع أن يقاوم هؤلاء أي محاولات لتغيير الوضع الراهن.
أما خارجيًا، فإن إيران تواجه عزلة دولية وعقوبات اقتصادية قاسية، وسيكون على بزشكيان إقناع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بجدية مساعيه الإصلاحية للحصول على تخفيف للعقوبات.
في الوقت نفسه، سيتعين عليه الموازنة بين رغبته في الانفتاح الدبلوماسي وبين الخطوط الحمراء التي وضعتها المؤسسة الحاكمة في إيران.
وتشير فورين أفيرز إلى أن نجاح بزشكيان في التعامل مع هذه التحديات سيعتمد بشكل كبير على مدى دعم المرشد الأعلى له.
توقعات حذرة لمستقبل إيران
يختتم تقرير فورين أفيرز بتوقعات حذرة لمستقبل إيران تحت قيادة بزشكيان، فرغم أنه من غير المتوقع حدوث تغييرات جذرية في النظام السياسي، إلا أن الرئيس الجديد قد ينجح في تحقيق عدة إنجازات مهمة، إذ إنه من المرجح أن يسعى بزشكيان إلى تشكيل تحالف حاكم معتدل، يجمع بين الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين.
هذا الائتلاف، إن تحقق، قد يؤدي إلى تبني سياسات أكثر اعتدالًا وواقعية، مما قد يسهم في تخفيف حدة الاستقطاب السياسي في البلاد.
داخليًا، قد تؤدي سياسات بزشكيان الأكثر انفتاحًا إلى تهدئة الاحتجاجات وتخفيف التوترات الاجتماعية، ما قد يمنح الحكومة مساحة أكبر للتركيز على القضايا الاقتصادية والتنموية، بدلًا من الانشغال بإدارة الأزمات الداخلية المتكررة.
على الصعيد الدولي، يتوقع الخبراء أن ينجح بزشكيان في تحسين صورة إيران وفتح قنوات دبلوماسية جديدة، ما قد يساعد، حسبما تشير المقالة، في تخفيف العزلة الدولية عن إيران، دون المساس بالمصالح الاستراتيجية للبلاد أو إثارة معارضة شديدة من المؤسسة الحاكمة.
وتنقل المجلة عن ناشط مدني إيراني قوله: "لا نتوقع زوال إيران، لكننا نريد تغيير الأشياء القليلة التي يمكننا تغييرها والتي ستجعل حياتنا أسهل وتمنحنا مساحة للتنفس".