خلال فترة البرلمان الثامن في تاريخ إيران، تم إقرار قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، باقتراح ممثل تبريز في البرلمان، مسعود بزشكيان، والذي ينص على فرض غرامات مالية وعقوبات النفي والسجن، عند مقاومة ومواجهة تدخل رجال الأمن في طريقة لباس المرأة وظهورها في المجتمع، كما ذكر موقع "إيران إنترناشيونال".
وبعد مرور 14 عامًا على إقرار هذا القانون وفرضه على المجتمع، كانت حقوق المرأة -خاصة حرية الملبس في الأماكن العامة- قضية حاسمة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، اليوم السبت، فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان في جولتها الثانية الحاسمة، خلفًا للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
وكانت النتائج الأولية قد أظهرت في وقت سابق، تقدّم المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، أمام المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي. وهذه هي المرة الثانية في تاريخ إيران التي تصل فيها الانتخابات الرئاسية إلى محطة جولة الإعادة. وكانت المرة الأولى عام 2005، بين محمود أحمدي نجاد وأكبر هاشمي رفسنجاني، وفاز بها الأول.
على الرغم من أن بزشكيان لا يبدي اعتراضًا على الحكم الديني في إيران، إلا أنه تعهد باتباع نهج مختلف. ورغم اقتراحه القانون الأخلاقي قبل سنوات، لكنه انتقد تصرفات شرطة الأخلاق، التي تفرض قواعد "غير أخلاقية" وصارمة على النساء.
وفي السياسة الخارجية، يدعو بزشكيان، البالغ 69 عامًا، إلى خفض التوترات الدولية واستعادة الدبلوماسية النشطة والمشاركة البنّاءة مع العالم.
وبينما يجادل منافسوه المحافظون بأنه يهدف إلى مواصلة سياسات إدارة حسن روحاني التي يرونها فاشلة، شكك العديد من الناخبين في قدرته على الوفاء بوعود حملته الانتخابية.
وتعهد بزشكيان، الذي شغل منصب وزير الصحة سابقًا، بإصلاح النظام الصحي، وتحسين جودة الخدمات الطبية، وتقليل تكاليف العلاج. كما أكد على تحسين الظروف التعليمية وزيادة جودة المدارس والجامعات، كما يدعو إلى أن تلعب النساء أدوارًا نشطة ومتساوية في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الطبيب
لم يكن مسعود بزشكيان، المولود عام 1954 في مدينة "مهاباد" الواقعة شمال شرقي إيران، والذي "ترعرع في كنف عائلة ملتزمة"، حسب وصف قناة "العالم" الإيرانية، مدركًا أن رحلته التي بدأت في مدينته الصغيرة التي تركها لمواصلة تعليمه، سوف تمتد به إلى المنصب الأكبر في طهران. فقد التحق بمعهد الزراعة في مدينة "أرومية" وحصل على دبلوم في مجال الصناعات الغذائية، ثم نُقل إلى مدينة "زابل" الحدودية عام 1973 لأداء الخدمة العسكرية، كأي شاب في سنه.
وبعد انتهاء خدمته العسكرية، قرر مسعود أن يصبح طبيبًا، فحصل على الدبلوم الطبيعي عام 1975، ثم بعد عام تم قبوله في كلية الطب بجامعة مدينة "تبريز" للعلوم الطبية.
ومع بدء الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، كان بزشكيان مسؤولًا عن إرسال الفرق الطبية إلى جبهات القتال، ونشط في العديد من العمليات مقاتلًا وطبيبًا. لكنه أكمل دراسة الطب عام 1985 وبدأ العمل في كلية الطب مدرسًا لعلم وظائف الأعضاء.
وفي عام 1990 حصل على تخصص الجراحة العامة من جامعة تبريز للعلوم الطبية، ثم في عام 1993 حصل على تخصص في جراحة القلب من جامعة إيران للعلوم الطبيّة في طهران، وتم تعيينه في مستشفى "الشهيد مدني للقلب" في تبريز، وفيما بعد أصبح رئيسًا له.
السياسي
في عام 1994 عيّن مسعود بزشكيان رئيسًا لجامعة تبريز للعلوم الطبية، واستمرت رئاسته حتى عام 2000. ثم نُقل إلى طهران وتولى منصب نائب وزير الصحّة بوزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي لمدة 6 أشهر. وبعد ذلك، خلال الولاية الثانية للرئيس محمد خاتمي، تسلم منصب وزير الصحة. لكن بعد فترة تمت مساءلته من قبل البرلمان، ومن ثم ترك منصبه.
وفي ثلاث مرات متتالية، في أعوام 2013، و2017، و2021، أعلن الترشح للرئاسة، لكن مجلس صيانة الدستور استبعده في جميع المرات الثلاث. ثم في عام 2016 تمكن من الفوز بمقعد في انتخابات البرلمان وحافظ عليه لسنوات طويلة.
ووفق وسائل الإعلام الإيرانية، يرى بزشكيان أنه لا يمكن حل المشاكل الداخلية في إيران دون حل المشاكل مع العالم الخارجي، وأن إدارة البلاد تقوم على التعامل البناء مع العالم على أساس الحوار والتفاوض مع مختلف الدول.
وبالنسبة للغرب، يدعو إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على أساس مبادئ "الأركان الثلاثة"، والمتمثلة في "العزة، والحكمة، والمصلحة"؛ وأعلن أنه سيضع في أعلى سلم أولويات حكومته إحياء الاتفاق النووي "الذي هو من مصلحة إيران ولو لم يكن كذلك لما انسحب منه ترامب".
وداخليًا، شدد بزشكيان على أنه سيضع حدًا للخلافات بين القوى السياسية التي يقول إنها السبب الرئيسي لمشاكل البلاد والاستعانة بأفضل الخبراء والمتخصصين؛ ووعد بأنه سيتابع مشاكل العمال والمتقاعدين والموظفين والعمل بطريقة تقضي على الفقر والتمييز والفساد في البلاد.
كما وعد بالتعاطي الإيجابي مع قضايا المرأة وحرية الوصول إلى الإنترنت وحقوق القوميات الدستورية والحريات السياسية والاجتماعية.
وخلال حملته الانتخابية، رفع بزشكيان عدة شعارات، كان أبرزها "إصلاح النظام الصحي"، و"تحسين جودة التعليم"، و"دعم قضايا البيئة"، و"مكافحة فلترة الشبكات الاجتماعية"، و"دعم دور المرأة"، و"استعادة الدبلوماسية النشطة مع العالم".