"في ظل إدارة ترامب، إذا دخلت البلاد بشكل غير قانوني، يتم القبض عليك على الفور وترحيلك"، هكذا صاح الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، أمام مؤيديه، بينما كان الحضور يلوحون بلافتات مكتوب عليها "الترحيل الجماعي الآن".
وفي مدينة "تيخوانا" المكسيكية يرتفع الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك. هناك، على حافة الطريق السريع الذي يمتد على طول الحدود، يوجد باب معدني محكم. وفي أي صباح، يفتح مسؤول مكسيكي القفل من جانبه، ويفتح عميل الهجرة الأمريكي القفل على الجانب الآخر.
بعد ذلك، يتم دفع العشرات -وأحيانًا المئات- من الأشخاص للعودة إلى المكسيك. وعندما يحدث هذا، قد يذهب البعض إلى الملاجئ، وينتهي الأمر بالبعض الآخر بالتخييم خارج الباب مباشرة، وكأن البقاء بالقرب يحسن فرصهم في العودة.
وبينما تم استخدام باب الترحيل هذا كثيرًا في عهد دونالد ترامب، لكن ربما لم يستخدمه أي رئيس أمريكي أكثر من جو بايدن.
البند 42
منذ توليها صدارة المشهد، لم تتحدث كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية المحتملة الآن، بشكل واضح عن الهجرة، وترجع مجلة "بوليتيكو" ذلك إلى أن أقوى دفاع بشأن هذا الأمر لهاريس وبايدن "قد يبدو قبيحًا لمؤيديهما الليبراليين".
تقول المجلة: "في عام 2020، خاض بايدن حملته الانتخابية على وعد بفرض وقف مؤقت على عمليات الترحيل، واعتذر عن عدد عمليات الترحيل القياسي في إدارة أوباما التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس. وهذا يعني أنه في حملته الانتخابية في عام 2024، من الصعب على بايدن أو هاريس أن يذكرا حقيقة بسيطة: وهي أن إدارتهما طردت ملايين المهاجرين أكثر مما تمكن ترامب من طردهم".
وفي عهد بايدن، تم ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة بوتيرة سريعة، وبمجرد توليه منصبه. حيث أصبح نظام الطرد الذي ينتهجه ممكنًا بفضل التحول الأكثر جذرية في سياسة الهجرة خلال الخمسين عامًا الماضية، وهو "البند 42".
عندما تولى بايدن منصبه، ألغى عشرات من سياسات الهجرة التي تبناها ترامب، لكنه أبقى على الحظر الأكثر أهمية الذي فرضه ترامب، وهو البند 42؛ ويعود تاريخ هذا الإجراء القانوني إلى عام 1944، وكان معروفًا بـ "قانون الصحة العامة"، والذي يمنح السلطات الأمريكية القدرة على فرض حالة الطوارئ لمنع انتشار الأمراض.
وفي مارس 2020، استندت إدارة ترامب إلى هذا القانون، في إطار مساعيها لوقف تدفق أمواج المهاجرين، بحجة منع انتشار وباء كورونا.
ومع وصوله للسلطة، أبقى بايدن على العمل بذلك القانون على الحدود؛ ما أدى إلى طرد أكثر من 2.8 مليون مهاجر وطالب لجوء بين 2021 و2022، حسب بيانات وكالة حماية الحدود الأمريكية. بينما خلال فترة ترامب بأكملها في البيت الأبيض، طردت إدارته 2 مليون شخص فقط.
في الوقت نفسه، وعلى الرغم من طرد ملايين المهاجرين خلال السنوات الأولى لبايدن، إلا أن عدد عمليات الترحيل تقلص بالفعل.
الطرد والترحيل
على الرغم من أنهما شكلان من أشكال الإبعاد، فإن الطرد والترحيل مختلفان. فقد كانت عمليات الطرد بموجب "البند 42" ظاهرة جديدة تمامًا، يمكن أن تحدث بسرعة، دون محاكمة، وكان يتم القبض على الشخص دائمًا بالقرب من الحدود.
من ناحية أخرى، لا تأتي عمليات الترحيل إلا بعد أن يأمر قاضي الهجرة، رسميًا، بإبعاد شخص ما، وغالبًا ما تنطوي على أشخاص تم القبض عليهم داخل البلاد، وهي أمور قانونية شديدة التعقيد قد لا تنتهي بالترحيل، كما ترغب الحكومة الأمريكية.
لذا، بمجرد انتهاء العمل بـ "البند 42" في مايو 2023، ارتفعت عمليات الترحيل على الفور إلى أرقام تاريخية.
ووفقًا لتحليل البيانات من معهد سياسة الهجرة -مركز أبحاث غير حزبي- قام بايدن بترحيل أو إعادة 775 ألف مهاجر غير شرعي من مايو 2023 إلى مايو 2024، وهذا أكثر من أي عام سابق منذ عام 2010.
وللمقارنة، بلغ سجل ترامب لعمليات الطرد في عام واحد الحد الأقصى عند أقل من 612 ألفا، وكان ذلك مع وجود "البند 42".
وتشير "بوليتيكو" إلى أنه ربما يتمكن ترامب، إذا تولى الرئاسة العام المقبل، من استغلال نظام الترحيل بشكل أكبر وزيادة أعداد المهاجرين الذين يتم ترحيلهم.
لكن في الواقع، فإن ترحيل أي شخص يكلف آلاف الدولارات، وهو مستنقع كثيف من الناحيتين القانونية واللوجستية.
في البداية، هناك مسألة تحديد أماكن الأشخاص واعتقالهم، فلا توجد قائمة رئيسية بالأماكن التي يعيش فيها المهاجرون غير المسجلين، ولا تخضع إدارة الهجرة والجمارك لإشراف سوى جزء ضئيل من إجمالي عدد السكان غير المسجلين.
خطوات مُعقدة
أصدر بايدن -مثل أوباما من قبله- تعليمات لإدارة الهجرة والجمارك بإعطاء الأولوية لترحيل "الأسوأ على الإطلاق"، مثل تجار المخدرات، والإرهابيين، ورجال العصابات؛ وبدلًا من التركيز على اعتقال أكبر عدد ممكن من المهاجرين، يركزون على تعقب الهاربين المحددين وإبعادهم.
وفي عهد ترامب، ارتفع عدد المحتجزين لدى إدارة الهجرة والجمارك. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن إدارته دفعت إدارة الهجرة والجمارك إلى اعتقال أي شخص، وليس المجرمين المعروفين فقط.
المشكلة الثانية التي تواجه الحكومة الفيدرالية، هي احتجاز المرشحين للترحيل، فقد خصص الكونجرس تمويلًا لإدارة الهجرة والجمارك يكفي فقط لسجن متوسط عدد المهاجرين الذي يبلغ 34 ألف مهاجر يوميًا. وحتى مع زيادة التمويل، فإن إدارة الهجرة والجمارك لا تملك المساحة الكافية لاحتجاز عدد أكبر من ذلك.
أيضًا، قد تستمر عمليات الاحتجاز هذه شهورًا، بل وحتى سنوات، لأن العملية القانونية لترحيل شخص ما طويلة، وهناك بالفعل تراكم في القضايا أمام المحاكم يتجاوز ثلاثة ملايين شخص.
ثم هناك المشكلة الثالثة، فحتى بعد أن تصدر إدارة الهجرة والجمارك أمر الترحيل، تظل هناك مسألة إخراج المهاجرين فعليًا من البلاد.
وأخيرًا، هناك مسألة هبوط طائرات الترحيل في دولة أجنبية، وهي مسألة ليست بهذه البساطة. فبعض الدول -مثل فنزويلا- لا تقبل ترحيل مواطنيها من الولايات المتحدة، والعديد من الدول الأخرى تجعل الأمر بالغ الصعوبة.