في حين ركز الصراع بين المرشحة الديمقراطية المفترضة، نائبة الرئيس كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري الرئيس السابق، دونالد ترامب، خارجيًا، على الحروب المستعرة في أوكرانيا وقطاع غزة، فضلًا عن المنافسة العالمية المُكثفة مع الصين، تنتظر على الجانب الآخر من المحيط الهادي القوتان المتنافستان المسلحتان نوويًا في جنوب آسيا، الهند وباكستان، نتيجة الانتخابات المضطربة المرتقبة في نوفمبر المقبل.
وبينما تلعب الدولتين دورًا هامًا في مد أو وقف النفوذ الأمريكي في الساحة الخلفية للصين، شهدت العلاقات بين واشنطن وكلا الخصمين -بعيدًا عن امتداداتهما التاريخية- كثيرًا من الشد والجذب خلال إدارتي ترامب وسلفه جو بايدن.
وكما حرص رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على تقوية علاقته بالإدارات الأمريكية المتعاقبة، كان الباكستانيون يشبهون رئيس وزرائهم السابق عمران خان بدونالد ترامب، خاصة بعد أن واجه كلاهما اتهامات جنائية.
ويلفت تحليل لمجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى أنه بالنسبة للهند، كانت العلاقة مع الولايات المتحدة في تحسن، حيث تطورت العلاقات المتوترة إلى شراكة متنامية، تشمل تعاونًا أكبر في مجالات، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والدفاع، والتي تم توسيعها في عهد ترامب وخليفته الرئيس جو بايدن.
وبينما لم تخل الشراكة من التحديات في ظل كل من الإدارتين، لكن المسؤولين الهنود يعربون عن ثقتهم في قدرتهم على العمل بشكل بناء مع ترامب أو هاريس، التي قد تصبح أول مرشحة رئاسية أمريكية من أصل هندي.
أيضًا، كان للتدخل الأمريكي في أفغانستان تأثير كبير على العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، والتي تعززت بفضل المساعدات المتبادلة التي قدمتها الدولتان للمقاتلين ضد الاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن العشرين، ومرة أخرى في القرن الحادي والعشرين، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
علاقات شخصية
تلقت الشراكة بين الولايات المتحدة والهند دفعة كبيرة في عهد إدارة ترامب، حيث أعاد الرئيس السابق تنشيط الحوار الأمني الرباعي، وهو تحالف بين البلدين إلى جانب أستراليا واليابان، والذي -رسميًا- لا يستهدف أي دولة أخرى، ولا يرقى إلى مستوى التحالف العسكري، وهو المفهوم الذي ترفضه النظرة المستقلة للسياسة الخارجية الهندية.
ومع ذلك، أوضحت إدارة ترامب، أنها تسعى إلى استخدام الكتلة ضد النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة؛ بعد أن أسس ترامب علاقة شخصية مع رئيس الوزراء مودي أثناء وجوده في منصبه.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث، نشر في يناير 2020، أن الهنود كانوا من بين الواثقين من أن ترامب "سيفعل الشيء الصحيح فيما يتصل بالشؤون العالمية".
وأظهر استطلاع آخر نشره المركز، الشهر الماضي، أن الهند كانت من بين ثماني دول فقط، من بين 34 دولة شملها الاستطلاع، لم يكن بها "فرق كبير بين بايدن وترامب" من حيث الثقة. وكان لدى جميع الدول المتبقية، باستثناء دولتين، ثقة أكبر بكثير في قيادة بايدن.
وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، أشار ترامب إلى مودي باعتباره "رجلًا عظيمًا"، وأعرب عن نيته تحسين العلاقات مع نيودلهي. وفي الوقت نفسه، هدد بفرض ضريبة انتقامية على الهند؛ بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها على بعض المنتجات الأمريكية، مستخدمًا دراجات هارلي ديفيدسون النارية كمثال مُتكرر خلال التجمعات الأخيرة.
خيبة أمل
نتيجة للحرب الأمريكية على الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، والغزو الأمريكي اللاحق للأراضي الأفغانية، وما تبعه من أحداث في المنطقة، نشأ فرع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في خراسان، المتمركز في أفغانستان إلى حد كبير، والذي يُعد الأكثر دموية في المنطقة، كما نشطت حركة طالبان الباكستانية، التي تُواصل إحداث الفوضى في المنطقة.
في الوقت نفسه، بدأ الاهتمام الأمريكي بمصالح الباكستانيين الأمنية يتبدد منذ الانسحاب من أفغانستان، وهي العملية التي بدأت في عهد ترامب، وتم تنفيذها بشكل كارثي في عهد بايدن في أغسطس 2021.
أيضًا، هناك العديد من العوامل المهمة الأخرى التي تعقد العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان.
ففي حين عزز ترامب بشكل كبير العلاقات مع رئيس الوزراء الهندي مودي أثناء وجوده في منصبه، أقام أيضًا علاقة إيجابية مع رئيس الوزراء الباكستاني -آنذاك- عمران خان، لكن نجم الكريكيت السابق أطيح به في تصويت بحجب الثقة في أبريل 2021، والذي زعم هو وأنصاره أن إدارة بايدن ساعدت في تنفيذه.
ومع وجود رئيس الوزراء السابق في السجن الآن، بشأن مجموعة من التهم التي وجهت إليه في عهد خليفته رئيس الوزراء، شهباز شريف، يواجه ترامب أيضًا لائحة اتهام حديثة وقضايا جنائية أخرى معلقة.
لهذا، قال المتحدث باسم عمران خان، سيد ذو الفقار بخاري، لمجلة "نيوزويك" في وقت سابق من هذا العام إنه "من الصعب عدم رسم أوجه تشابه بين الرجلين".
وقال: "كانت لدينا علاقة رائعة مع الولايات المتحدة، بين الرئيس ترامب وعمران خان. كنا نأمل في نفس الشيء تحت قيادة بايدن".
وبينما زعم بخاري أن بايدن "أُتيحت له الفرصة للوقوف إلى جانب الديمقراطية"؛ ردًا على اعتقال عمران خان وسجنه لاحقًا، فقد زعم أنه لم يكن هناك الكثير من الحديث ولم يكن هناك أي تحرك من جانب البيت الأبيض بشأن هذه القضية.
ولكن إلى جانب السياسة الداخلية الباكستانية، هناك علاقة باكستان القوية مع الصين، وهي نتاج آخر لديناميكيات حقبة الحرب الباردة، والتي أثارت الحذر في واشنطن.
بين بايدن وهاريس
في العام الماضي، تمكنت الولايات المتحدة والهند تحت قيادة بايدن من حل نزاعاتهما التجارية في منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك الخلاف حول الرسوم الجمركية في عهد ترامب.
لكن إدارة بايدن استفادت إلى حد كبير من المبادرات الأخرى التي قادها ترامب بشأن الهند ووسعتها، كما زار الزعيم الأمريكي واستقبل مودي خلال فترة وجوده في منصبه، وإن كان ذلك أقل ضجة.
عمومًا، تجنبت إدارة بايدن انتقاد نيودلهي لصالح أهداف جيوسياسية أوسع نطاقًا؛ حيث حافظت الهند على شراكتها التاريخية مع روسيا طوال الحرب الدائرة في أوكرانيا، واستمرت في شراء النفط وشراء الأسلحة من موسكو وبيعها لها، على الرغم من العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة.
ولكن حتى بشأن هذا الأمر، بقيت لغة البيت الأبيض "حذرة"، كما لفتت "نيوزويك"، حيث أعرب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو، عن "خيبة أمل" إدارة بايدن بشأن زيارة مودي الأخيرة إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين
ورد المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية، راندهير جايسوال، بأنه يجب أن تفهم الولايات المتحدة أن الهند تربطها علاقات طويلة الأمد مع روسيا، تقوم على المصالح المتبادلة "وفي عالم متعدد الأقطاب، تتمتع جميع البلدان بحرية الاختيار".
وبشكل عام، اتجهت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند نحو علاقات أوثق، وهو ما دعت إليه هاريس أيضًا.
وبينما تحدثت نائبة الرئيس، التي تنحدر من أصول هندية وجامايكية، عن علاقاتها الشخصية بالهند، استغلت هاريس هذه العلاقات أيضًا لانتقاد الهند بشأن حقوق الإنسان.
وقبل عامين، تحدثت هاريس عن مصير كشمير، وهي منطقة متنازع عليها مقسمة وتطالب بها كل من الهند وباكستان. ورغم أنها امتنعت، إلى حد كبير، عن إبداء رأيها بشأن قضية كشمير منذ توليها منصب نائب الرئيس، فإن تصريحاتها السابقة لا تزال تذكر على نطاق واسع في باكستان.