بينما يريد الاتحاد الأوروبي إنشاء نظام أقمار صناعية خاص لجيوشه ووكالات التجسس الأوروبية، لكن الكتلة تواجه تجاوزات كبيرة في التكاليف وتأخيرًا في المواعيد؛ ما يجعل حلم القارة العجوز في منافسة كوكبة الأقمار الصناعية التابعة لشركة "ستارلينك"، المملوكة لعملاق التكنولوجيا الأمريكي إيلون ماسك، حلمًا بعيد المنال.
ويتعرض برنامج IRIS² التابع للكتلة الأوروبية -والذي يرمز إلى البنية التحتية للمرونة والترابط والأمن عبر الأقمار الصناعية- لخطر الإيقاف، لأنه يواجه تجاوزات في التكاليف، والتأخير المتزايد والنزاعات الملتهبة بين المفوضية الأوروبية وعمالقة الصناعة الذين يقومون باستغلالها لبنائه.
وكان من المتوقع في البداية أن يتكلف تصنيع نظام أقمار صناعية من النوع العسكري لاستخدامه من قبل جيوش أوروبا ووكالات التجسس، بالإضافة إلى المدنيين، نحو 6 مليارات يورو. لكن، تضخم هذا الرقم إلى 11.4 مليار يورو في أحدث المقترحات، وفقًا لثلاثة مسؤولين تحدثوا لصحيفة "بوليتيكو".
ومما يزيد من مشاكل المشروع أن كلاً من شركتي "إيرباص" و "تاهلاس إلينيا سبيس" تتحركان للانسحاب من اتحاد- SpaceRise الذي يضم مشغلي الاتصالات وشركات الأقمار الصناعية الذي ساعدتا في تأسيسه- والذي يخطط لتطوير IRIS² ثم تشغيله لمدة 12 عامًا، في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
إحباط وشكوك
تنقل النسخة الأوروبية لـ "بوليتيكو" عن مايكل شويلهورن، الذي يدير برنامج الدفاع والفضاء لشركة "إيرباص"، إن مصنعي الأقمار الصناعية سيركزون على إنتاج تكنولوجيا المشروع كمقاولين أساسيين، ما أثار الإحباط والشكوك حول مستقبل البرنامج.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، يدعم الخطة ويصر على أنها لا تزال تسير على الطريق الصحيح: "بعض شركات الفضاء الأوروبية -على عكس منافسيها العالميين- ليست مستعدة لقيادة السباق، وتخشى المخاطرة، وبالتالي محكوم عليها بالخسارة تجاريًا".
وبعد سلسلة من المواعيد المستهدفة التي لم يتم الوفاء بها، منحت المفوضية الأوروبية الآن اتحاد SpaceRise موعدًا نهائيًا، في الثاني من سبتمبر المقبل، لترتيب الأمور وتقديم اقتراح مُعاد تنظيمه.
وإذا وافقت المفوضية على المخطط الجديد -حيث من المقرر أن يتضمنIRIS² مئات الأقمار الصناعية الصغيرة الموجودة في مدارات متعددة- فيمكن لفريق تقييم العطاءات التابع للاتحاد الأوروبي تقييم البرنامج حتى 25 سبتمبر تقريبًا.
وحسب الصحيفة "من شأن ذلك أن يسمح بتوقيع العقود في النصف الأول من شهر أكتوبر، قبل أسابيع فقط من نهاية المفوضية الأوروبية الحالية"، وفقًا لمسودة الجدول الزمني.
مشاكل مستقبلية
في حين أن "سبيس إكس" لديها آلاف من أقمار "ستارلينك" الصناعية في المدار الأرضي، إلا أن المسؤولين المطلعين على برنامج IRIS² يقولون إنه لا توجد فرصة تقريبًا لأن يقوم نظام الاتحاد الأوروبي بإرسال أقمارهم إلى الأرض هذا العام -كما هو مخطط- له باستخدام الأقمار الصناعية التجارية الحالية، أو أن يكون النظام جاهزًا للعمل بكامل طاقته بحلول عام 2027، كما كان الموعد المخطط في السابق.
وتمثل هذه التأخيرات أيضًا مشكلة، نظرًا للمنافسة على الطيف المداري، والفجوات في المدار الأرضي المنخفض، وهو النطاق الفضائي الأقرب إلى الأرض.
وقال أحد المسؤولين المطلعين على المحادثات: "إذا تأخر البرنامج، فقد نفقد تخصيص الطيف المداري، وقد تستخدمه "سبيس إكس" أو شركة صينية بدلاً من ذلك".
أيضًا هناك فجوة كبيرة في الخطة المالية للبرنامج. حيث إنه، من بين التكلفة المتوقعة الحالية البالغة 11.4 مليار يورو.
وسيوفر اتحاد SpaceRise حوالي 4.4 مليار يورو من مشغلي الأقمار الصناعية الثلاثة المشاركين، مع تخصيص 2.4 مليار يورو من مختلف الصناديق النقدية للاتحاد الأوروبي، ووكالة الفضاء الأوروبية ستقدم حوالي 600 مليون يورو. وقد يترك ذلك ما يقرب من 4 مليارات يورو من التمويل المفقود لـ IRIS²، والذي سيتعين تدبيره.
وتؤدي الأزمة النقدية إلى صراع جانبي في المحادثات حول ميزانية الاتحاد الأوروبي التالية المتعددة السنوات، والتي من المقرر أن تبدأ بشكل جدي في العام المقبل على الرغم من أن الإنفاق لن يبدأ إلا في عام 2028.
تقول "بوليتيكو": إن مشكلة تمويل وإطلاق برامج الفضاء التابعة للاتحاد الأوروبي ليست بالأمر الجديد، فقد كانت هناك مشكلات مماثلة مع نظام الملاحة الجغرافية "جاليليو"، وشبكة "كوبرنيكوس" لمراقبة الأرض، ولكن كلاهما أصبحا الآن نظامين ناجحين إلى حد كبير.
مع هذا، قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: "كما هو الحال بالنسبة لأي مشروع فضائي رائد في الاتحاد الأوروبي، يتم تمويل كل شيء، وسيتم تمويله"، مشددًا على أن تحديد تمويل IRIS² بعد عام 2027 كان دائمًا جزءًا من الخطة.
ومع ذلك، يتم في كثير من الأحيان خفض نفقات الفضاء من قبل الكتلة، حيث يقوم القادة بتقليص التزاماتهم في محادثات مشحونة بشأن الإنفاق طويل الأجل.
وقال مسؤولون مطلعون على المحادثات إن متطلبات التمويل المتوقعة لإكمال مشروعIRIS² أكبر بكثير من المبالغ المتوقعة في البداية.
وتتمثل إحدى الخطط البديلة في تقليص توقعات المفوضية بشكل كبير وتحويلIRIS² إلى شبكة أصغر حجمًا مخصصة للحكومة فقط.