في الثالث عشر من يوليو، تعرض الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي "دونالد ترامب" إلى محاولة اغتيال أثناء خطابه في تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا، من قبل شخص يُدعى " توماس كروكس"، وهي المحاولة التي قلبت موازين الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويُمكن القول إنها وضعت حسمًا لها بتقديرات الخبراء المُتخصصين في الشأن الأمريكي، ومن ناحية أخرى كان لهذه المحاولة العديد من التداعيات المُختلفة سواء على مستوى الدعاية الانتخابية أو على المستوى الاقتصادي.
وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على تداعيات محاولة اغتيال المرشح الرئاسي "دونالد ترامب"، خاصة تأثيراتها الاقتصادية المُتعددة وتأثيرها على حجم الدعاية الانتخابية.
تقديرات هامة
يُمكن تسليط الضوء على مجموعة من التقديرات التي توضح العديد من النقاط الهامة، وذلك على النحو التالي:
(-) أبعاد محاولة الاغتيال: تحمل محاولة اغتيال "دونالد ترامب" العديد من الأبعاد الهامة، إذ أن "توماس كروكس" منفذ عملية المحاولة ناخب جمهوري سابق، بحسب سجلات الناخبين بالولاية، ولكنه على الرغم من ذلك تبرع عندما كان في الـ 15 من عمره للجنة الانتخابات الاتحادية 2021، والتي يُعرف عنها أنها تجمع الأموال للديُمقراطيين وذوي الميول اليسارية، وهو الأمر الذي يجعله يتأرجح بين الديمقراطيين والجمهوريين، ومن هنا يُمكن القول بنسبة كبيرة أن الهدف من هذه المحاولة هي اغتيال دونالد ترامب بالفعل ولا يُمكن وصفها بالـ "المسرحية"، وهو ما أكده مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، بأنها كانت محاولة اغتيال.
(-) حجم النفقات الانتخابية: مُنذ بداية السباق الرئاسي الأمريكي، أنفقت كُل من حملتي جو بايدن ودونالد ترامب مبالغ كبيرة على الدعاية الانتخابية، وهو ما يُمكن توضيحه فيما يلي:
(*) إنفاق حملة دونالد ترامب: ينقسم إنفاق دونالد ترامب على الدعاية الانتخابية من إنفاق الحملة الانتخابية وإنفاق الجماعات الخارجية وإجمالي النقد الذي يملكه كل قطاع كما يوضح الشكل (1)، إذ بلغ إجمالي المرفوع من الحملة حوالي 195.47 مليون دولار، أُنفق من هذا المبلغ حوالي 79.81 مليون دولار، أي تم إنفاق ما نسبته 40.83%، وبالإضافة إلى ذلك يبلُغ إجمالي النقد الذي تملكه الحملة حوالي 166.66 مليون دولار، وفضلاً عن ذلك تأتي تبرعات الجماعات الخارجية كمصدر آخر للدعاية الانتخابية لدونالد ترامب، إذ تبلغ قيمتها حوالي 192.77 مليون دولار، أنفق منها في يونيو السابق حوالي 141.82 مليون دولار، أي بنسبة 73.57%، وهو الأمر الذي يدل على أن التمويل على الدعاية الانتخابية لترامب يأتي من الخارج بشكل أكبر من التمويل الذي يأتي من تبرعات الحملة الانتخابية.
(*) إنفاق حملة جو بايدن: ارتفعت نفقات حملة جو بايدن على الدعاية الانتخابية بشكل يفوق إنفاق حملة دونالد ترامب، إذ ينفق الديمقراطيون ضعف الجمهوريين في الدعاية الانتخابية، ففي شهر مايو الماضي، أنفقت الحملة حوالي 72.1 مليون دولار على الإعلانات في التلفزيون والراديو والأقمار الصناعية والرقمية، وذلك وفقًا لتحليل NPR الخاص بتتبع الإنفاق الإعلاني، حيثُ إنه تم إنفاق 70% من هذا المبلغ على الولايات السبع الرئيسية، وخاصة ولاية بنسلفانيا التي أُنفق فيها حوالي 21.2 مليون دولار، وتركزت الدعاية الإعلامية حول مشاكل دونالد ترامب القانونية، وفي شهر مارس أنفقت الحملة قدر كبير من الدعاية الانتخابية تُقدر بحوالي 29.2 مليون دولار، إذ تمكنت حملة بايدن من زيادة إجمالي أموالها بأكثر من نصفها، من خلال التبرعات الجديدة التي بلغت قيمتها في أبريل الماضي حوالي 43.8 مليون دولار، وبهذا أصبح لدى الحملة في نهاية أبريل حوالي 85 مليون دولار.
وانطلاقًا من أن الإنفاق يُمكن أن يأتي من الحملات الخاصة بالمرشحين أو من اللجان المتوافقة مثل لجان جمع التبرعات، فيتضح من الشكل (2) أن حجم الإنفاق الإعلاني لجو بايدن يفوق حجم الإنفاق الإعلاني لدونالد ترامب، إذ يبلغ إنفاق حملة بايدن حوالي 130.4 مليون دولار، بينما يبلغ إنفاق اللجان حوالي 157.5 مليون دولار، أما في حالة ترامب فيأتي معظم الإنفاق الإعلاني من اللجان، وتبلغ قيمته 90.4 مليون دولار.
تأثيرات واضحة
ترتب على محاولة اغتيال دونالد ترامب العديد من التأثيرات الهامة التي يُمكن توضيحها فيما يلي:
(-) آثار اقتصادية مُختلفة: تعددت الآثار الاقتصادية لمحاولة اغتيال دونالد ترامب، والتي يُمكن توضيحها فيما يلي:
(*) ارتفاع لحظي في قيمة الدولار: ارتفعت قيمة الدولار بعد محاولة اغتيال دونالد ترامب، إذ أن الدولار ارتفع بنسبة 0.2% وفقًا لمؤشر الدولار أمام سلة من العملات، والسبب في ذلك أن الدولار يُصبح ملاذًا آمنًا مثل الذهب في حالة التوترات، وتبعًا لذلك تراجعت العديد من العملات أمام الدولار، فقد تراجع اليورو بنسبة 0.14%، وتراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.09%، وتراجع الين الياباني أمام الدولار، قبل أن يرتفع بشكل كبير في 18 يوليو، ومن ناحية أخرى ارتفعت عملة البيتكوين إلى أكثر من 60 ألف دولار؛ بسبب موقف دونالد ترامب الداعم للعملات المُشفرة، وتذهب التوقعات إلى أن السعر سيرتفع أكثر من ذلك.
وتوضيحًا لذلك يُمكن القول إن ارتفاع قيمة الدولار أمام هذه العملات جاء فقط عقب محاولة الاغتيال أي ارتفاع لحظي، إذ تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرُب من شهرين أمام سلة من العملات في تعاملات 17 يوليو، حيثُ انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.38%؛ وجاء ذلك بسبب الارتفاع الحاد في قيمة الين الياباني بفضل السياسة النقدية الفعالة من بنك اليابان.
(-) انخفاض أسعار النفط: تأثرت أسعار النفط العالمية بشكل كبير بعد محاولة اغتيال ترامب، نتيجة لارتفاع سعر الدولار، فكما يوضح الشكل (3) انخفض سعر خام برنت من 86.26 دولار للبرميل في 12 يوليو أي قبل الحادث بيوم إلى 83.6 دولار في 17 يوليو، إذ يغلب على منحنى سعر خام برنت الاتجاه إلى أسفل في الأيام التي أعقبت محاولة الاغتيال، كما انخفض خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.1%، إذ انخفض من 84.92 دولار للبرميل إلى 82.12 دولار للبرميل، وهو الأمر الذي يوضح التأثير الكبير لمحاولة الاغتيال على أسواق النفط العالمية.
(*) تأثُر أسواق الأسهم العالمية: تأثرت الأسهم العالمية بشكل ملحوظ بعد محاولة اغتيال دونالد ترامب؛ نتيجة دراسة المُستثمرين لما ستُسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد هذه المحاولة، خاصه مع الترشح الرسمي لدونالد ترامب وتعيين نائب له "جي دي فانس"، إذ انخفض مؤشر MSCI بنسبة 0.1%، وفي أوروبا انخفض مؤشر ستوكس 600 بنسبة 0.3%، كما انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 1.4% بعد حادث إطلاق النار، وبالإضافة إلى ذلك انخفضت معظم أسوق آسيا والمحيط الهادئ، وفقًا لبيانات أبحاث CFRA، وعلى النقيض ارتفعت أسعار أسهم مجموعة ترامب الإعلامية بمقدار الثلث بعد محاولة اغتياله لتصل إلى أعلى قيمة لها في خمسة أسابيع، كما ارتفع مؤشر داو جونز وستاندرد آند بورز وناسداك.
(-) تأثُر حجم الدعاية الانتخابية: إن حجم الدعاية الانتخابية التي تم ذكرها في السابق، ستتأثر بشدة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها دونالد ترامب، فقد علقت حملة بايدن الدعاية الانتخابية بعد هذه المحاولة، كما سحب الديمقراطيون إعلانات حملة بايدن بعد حادث إطلاق النار، خاصة الإعلانات التي تستهدف الهجوم على دونالد ترامب وانتقاده، إذ أوقف الحزب حملة إعلانية بقيمة 50 مليون دولار، ومع إعلان الحملة أنها ستستأنف الدعاية الانتخابية خلال الأيام المُقبلة، فمن المتوقع بشكل كبير أنها سوف لا تُماثل حجم الدعاية قبل محاولة الاغتيال، ففرص بايدن انخفضت بشكل كبير بعد هذا الحادث.
وعلى الناحية الأخرى ارتفعت التبرعات للحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي "دونالد ترامب"، إذ تبرع الملياردير الأمريكي "إيلون ماسك" بمبلغ 45 مليون دولار شهريًا للجنة "AMERICA PAC" وهي لجنة العمل السياسي التي تدعم حملة الجمهوريين الرئاسية، ويتضح من هذا الموقف أن الأمور تغيرت بعد محاولة الاغتيال، إذ أعلن "إيلون ماسك" في وقت سابق عدم دعمه لأي من المرشحين، ولكن في هذه الأوقات أعلن دعم كامل لترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
(-) تحديد مسار الانتخابات الرئاسية: إن محاولة اغتيال دونالد ترامب جاءت في مصلحته بشكل كبير ويسرت مشواره للبيت الأبيض، وهذا الاحتمال يتوقف على استمرار جو بايدن في السباق الرئاسي من عدمه، فإذا لم ينسحب بايدن، فاحتمالات فوز ترامب ستزداد بشكل كبير، أم إذا انسحب بايدن ورشح الحزب الديمقراطي خلفًا عنه، فاحتمالات فوز ترامب ستنخفض بشكل نسبي، وهذا هو السيناريو الأقرب خاصة بعد إعلان إصابة بايدن بفيروس كورونا، وتزايد الضغوط عليه؛ للانسحاب من السباق الرئاسي أمام ترامب.
وعليه يُمكن القول إن محاولة اغتيال دونالد ترامب كان لها العديد من التداعيات، وأهمها تحديد مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ استغل أنصاره هذه المحاولة في تكثيف الدعاية للمرشح الرئاسي، ومن ناحية أخرى كانت التأثير الاقتصادي لهذه المحاولة كبير ومُتشعب في العديد من الدول، فلم تقتصر التداعيات الاقتصادية على الولايات المتحدة، بل امتدت إلى أوروبا ودول آسيا والمحيط الهادئ، وهو الأمر الذي يوضح ترقب أسواق العالم لمن سيكون الرئيس المُقبل للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد محاولة الاغتيال.