الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات التصعيد الأمريكي الروسي على الاستقرار العالمي

  • مشاركة :
post-title
التصعيد الأمريكي الروسي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء الاتصال الهاتفي بين أندريه بيلوسوف، وزير الدفاع الروسي، ونظيره الأمريكي لويد أوستن، 12 يوليو 2024، وإجراء مباحثات هاتفية بحسب وزارة الدفاع الروسية، لمناقشة احتواء خطر التصعيد المحتمل وتجنب التهديدات الأمنية بعد عزم واشنطن نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا. وهو الأمر الذي يعكس التنافس الدولي بين القوى الكبرى، التي تسعى للحفاظ على الوضع الراهن للمنظومة الدولية أو تلك الرامية لتغيير النظام الدولي نحو التعددية القطبية توظيفًا للأزمات الدولية المتفجرة، وفي مقدمتها الصراع الروسي الأوكراني، الذى يشهد تصعيدًا متبادلًا بين أطراف الصراع أو القوى التي تنخرط فيه، كان من بينها إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، 10 يوليو 2024، على هامش قمة الناتو، التي انعقدت بواشنطن، عزمها نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا، بهدف ردع روسيا لوقف الحرب، وردت روسيا على ذلك، 13 يوليو 2024، بالتلويح باستهداف عواصم أوروبية حال تنفيد الولايات المتحدة لذلك الوعد.

مؤشرات التصعيد

هناك العديد من المؤشرات التي تعكس الاتجاه نحو التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من ناحية وبين روسيا من ناحية أخرى. وهو ما يمكن الإشاره إليه على النحو التالي:

(*) إعلان الولايات المتحدة نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا في بيان مشترك، 10 يوليو 20124، على هامش انعقاد قمة حلف الناتو في واشنطن، أنهما ستبدآن نشر أسلحة بعيدة المدى عام 2026 في ألمانيا، بوصفها خطوة لزيادة الردع ضد روسيا. وهي الخطوة التي أثارت انتقادات متنوعة حتى بين أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه المستشار الألماني أولاف شولتس، لا سيما وأن هذا التوجه بنشر صواريخ أمريكية في ألمانيا يعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة بكل ما حملته من مآسٍ وذكريات مؤلمة.

(*) التلويح الروسي باستهداف عواصم أوروبية: لوّح الكرملين، 13 يوليو 2024، باستهداف عواصم أوروبية، ردًا على اعتزام الولايات المتحدة نشر برلين صواريخ أمريكية بعيدة المدى على أراضيها، محذرًا الدول الأوروبية من الخطر، وأشار ديمترى بيسكوف عن امتلاك روسيا قدرات كافية لرده هذه الصواريخ، لكن عواصم هذه الدول الأوروبية من المحتمل أن تكون الضحية الكبرى لأي صراع محتمل، مضيفًا أن أوروبا توشك على الانهيار حاليًا، هذا ليس أفضل أوقات أوروبا، وبطريقة أو بأخرى سيكرر التاريخ نفسه.

(*) مناورات البحر المشترك 2024: أعلنت وزارة الدفاع الصينية أن الجيشين الصيني والروسي أطلقا مناورات بحرية مشتركة تحمل اسم البحر المشترك 2024، وتزامن ذلك مع انعقاد قمة حلف الناتو بواشنطن، التي هدفت لإعادة تأكيد الدعم الغربي لأوكرانيا ضد الغزو الروسي، وأشارت وزارة الدفاع الصينية إلى أن التدريبات في المياه والمجال الجوي حول مدينة تشانجيانج بمقاطعة جواندونج الجنوبية تهدف لإظهار تصميم وقدرات الجانبين على التصدي بشكل مشترك للتهديدات الأمنية البحرية والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين والإقليميين، وأضافت أن التدريبات ستعمل على تعميق شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد.

(*) الاتهامات الغربية للصين بمساندة روسيا: تزايدت في الآونة الأخيرة حدة الاتهامات الغربية الموجه للصين فيما يخص مساعدتها لروسيا في حربها ضد أكرانيا، في حين ترفض بكين تلك الاتهامامات وتعتبرها عودة لعقلية الحرب الباردة والتحيز العقائدي، إذ اعتبر قادة حلف الناتو في بيانهم الختامي للقمة 75، التي استضافتها واشنطن، 11 يوليو 2024، أن الطموح المعلن لجمهورية الصين الشعبية والسياسات القسرية يستمران في تحدي مصالحنا وأمننا وقيمنا، كما عبروا عن قلقهم العميق حيال العلاقات الصينية الروسية الوثيقة، واتهموا بكين بأداء دور رئيسي في دعم حرب موسكو على أوكرانيا، كما شدد القادة على أن الصين لا يمكنها أن تدعم أكبر حرب بأوروبا في التاريخ الحديث، دون أن يؤثر ذلك سلبًا على مصالحها وسمعتها. ويرى قادة الحلف أن الصين أصبحت عامل تمكين حاسم لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، من خلال ما تسمى شراكة دون حدود معها، ومن خلال دعمها واسع النطاق للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية. لذلك ناشد القادة الصين بوقف كل دعم مادي أو سياسي للمجهود الحربي الروسي، الذي يشمل نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات، والمواد الخام التي تستخدم في قطاع الدفاع الروسي. وردًا على تلك الانتقادات وجهت الصين انتقادًا حادًا لبيان قمة الحلف، إذ أشار لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن مزاعم الناتو بشأن مسؤولية الصين في حرب أوكرانيا غير مبررة، مضيفًا أن الناتو ينشر معلومات مضللة صادرة عن الولايات المتحدة، وبالتالي يقوض التعاون بين الصين وأوروبا.

(*) مبادرة أوروبية لتطوير صواريخ كروز: دشنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، 11 يوليو 2024، مبادرة لتطوير صواريخ كروز تطلق من الأرض ويزداد مداها على 500 كيلومتر، لسد فجوة في الترسانات الأوروبية تقول إن الحرب الروسية في أوكرانيا كشفتها، إذ وقع وزراء دفاع تلك الدول خطاب نوايا بهذا المعنى، على هامش قمة حلف الناتو في واشنطن.

تداعيات محتملة

إن الاتجاه نحو تزايد التصعيد ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الداعمة لروسيا من ناحية وبين روسيا، والدول المساندة لها من ناحية أخرى سيكون له تداعياته على الاستقرار العالمي على النحو التالي:

أولها: تزايد الاستقطابات والانشقاقات الدولية، إذ يسهم تصاعد مؤشرات التوتر بين القوى الكبرى الاتجاه نحو إعادة اصطفاف القوى الإقليمية، بما ينعكس على الاستقرارين الإقليمي والدولي، وأسهم الصراع الروسي الأوكراني في تشكيل تحالفات منها ما يدعم رؤية روسيا التي تطالب بالتحول من نظام دولي أحادي القطبية إلى التعديية القطبية. وهو ما عبر عنه الرئيس الروسي، بالقول إن العالم لم يعد كما كان، وزمن الهيمنة الأمريكية وأحادية القطبية قد ولى. في حين تبلور اتجاه آخر يدعم الرؤية الغربية الداعمة لأوكرانيا اقتصاديًا وعسكريًا باعتبار أن أوكرانيا تشكل حجر الزاوية لحماية الأمن الأوروبي، وأن سقوط أوكرانيا ربما يؤدي إلى مزيد من الانهيارات المتتالية وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بايدن، بأن بوتين لن يكتفي بأوكرانيا، وهو ما أدى لتشكل إدراك غربي بأن حرمان روسيا من الانتصار على أوكرانيا سييعزز من استمرار الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمنظومة الغربية، وبما يحققه الحفاظ على الوضع الراهن، وما يضمنه من مصالح استراتيجية للدول الغربية ككل.

ثانيًا: الدخول في سباق تسلح عالمي، أدى الصراع الروسي الغربي إلى الاتجاه نحو سباق تسلح متزايد بين القوى تجسد في إعلان ألمانيا أكبر موازنة عسكرية، وأن الإنفاق العسكري هو الأولوية الأولى في ميزانية 2024، بعد أن أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، أمام البرلمان، فبراير 2022، إنشاء الصندوق الخاص الذي يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للجيش بقيمة 100 مليار يورو. كما يتوقع أن تحقق 23 من أصل 32 دولة عضو في الناتو هذا العام هدف الحلف المتمثل في إنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، لمواجهة التهديد الروسي، كما أن هناك دعوات لزيادة هذه النسبة إلى 2.5%.

ثالثها: تراجع معدلات التنمية العالمية في ظل تزايد الصراعات الدولية، وهو ما كشفه مؤشر السلام العالمي 2024، الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام (IEP) بتدهور مستوى السلام حول العالم مع نشوب 65 صراعًا، وهو ما اعتبره أكبر عدد للصراعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي مطلع 2024، عن الآفاق الاقتصادية العالمية، ومع اقتراب منتصف هذا العقد الذي كان من المقرر أن يشهد آثارًا تحولية على صعيد التنمية، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي معدلات نمو إجمالي للناتج المحلي بنهاية عام 2024، هي الأدنى والأبطأ في فترة 5 سنوات على مدى 30 سنة.

مجمل القول، إن تصاعد مؤشرات التوتر ما بين القوى الكبرى وتوظيفها للصرع الروسي الأوكراني كمجال لاختبار الهيمنة والنفوذ وعقد التحالفات، بهدف السعي لتغيير النظام الدولي من قبل القوى الطامحة لمكانة دولية، من خلال مساند التحول من النظام الأحادي القطبية إلى التعددية القطبية سيكون له تداعياته على الاستقرار الإقليمي والدولي، إذ سيزداد الاستقطاب الدولي، والاتجاه نحو سباق تسلح عالمي سيكون على حساب تراجع معدلات التنمية العالمية.