كشفت كوريا الجنوبية عن انشقاق دبلوماسي كوري شمالي، اليوم الثلاثاء، ووصوله إلى سول، ليصبح بذلك أكبر شخصية في نظام الرئيس كيم جونج أون، تفر من البلاد منذ ثماني سنوات.
وكان الدبلوماسي ري إيل كيو، البالغ من العمر 52 عامًا، يعمل في سفارة كوريا الشمالية في كوبا، ووفقًا لتقارير في سول، فقد هرب في نوفمبر من العام الماضي مع زوجته وأطفاله، مخاطرًا بالتعرض لعقوبة الإعدام في حال فشله.
وفي أول مقابلة أجراها، اليوم الثلاثاء، مع صحيفة "تشوسون إلبو" الكورية الجنوبية، قال "ري"، الذي عمل مستشارًا في السفارة في هافانا: "لقد اشتريت تذاكر الطائرة، واتصلت بزوجتي وأطفالي لإبلاغهم بقراري قبل 6 ساعات من الانشقاق".
وانضم "ري" إلى وزارة الخارجية الكورية الشمالية في عام 1999، ونال في السابق إشادة من الزعيم كيم جونج أون لتفاوضه الناجح مع بنما للإفراج عن سفينة كورية شمالية، كانت قد احتجزتها لنقلها أسلحة من كوبا.
وكانت إحدى واجبات الدبلوماسي المنشق خلال عمله في السفارة في هافانا هي التأكد من أن كوبا، حليفة كوريا الشمالية منذ الحرب الباردة، لم تقيم علاقات مع كوريا الجنوبية.
وفي فبراير من هذا العام، بعد أربعة أشهر من انشقاق "ري"، أقام البلدان علاقات دبلوماسية، في خطوة اعتبرت بمثابة ضربة دبلوماسية لنظام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
الانشقاق الصعب
عادة ما يتم الإعلان عن انشقاق الكوريين الشماليين إلى الجنوب بعد أشهر من الهروب والاستقرار؛ لأنه، قبل ذلك، يتعين على المنشقين الخضوع لاستجواب من قبل السُلطات في سول للتأكد من أن نواياهم بريئة، بالإضافة إلى عملية تدريب يتعرفون فيها على أسلوب حياة المجتمع الكوري الجنوبي.
وفي السنوات الأخيرة، انخفض بشكل كبير عدد الكوريين الشماليين الذين نجحوا في الفرار إلى كوريا الجنوبية مباشرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تشديد الرقابة على المعابر الحدودية مع الصين، التي اعتاد الكثيرون الهروب من خلالها إلى الجنوب، وبسبب زيادة رسوم السمسرة التي يتعين على الكوريين الشماليين دفعها للمهربين الذين يساعدونهم على الانشقاق.
وفي العام الماضي، وصل 196 مواطنًا كوريًا شماليًا إلى كوريا الجنوبية، مُقارنة بـ 2700 قبل عقد من الزمن، وكان معظم المنشقين في السنوات الأخيرة ممن عاشوا لسنوات في الخارج، على غرار "ري".
و"ري" هو أكبر دبلوماسي ينشق عن كوريا الشمالية منذ تاي يونج هو، نائب سفير كوريا الشمالية لدى المملكة المتحدة، الذي تسبب انشقاقه في عام 2016 في تداعيات عالمية.
وأوضح تاي بعد ذلك أنه انشق؛ لأنه لا يريد أن يعيش أطفاله "حياة بؤس" في كوريا الشمالية، ولأنه وقع في حالة من اليأس عندما رأى الحاكم كيم يعدم كبار المسؤولين الحكوميين.
وبعد انشقاقه، أطلق عليه النظام الكوري الشمالي لقب "الفضلات البشرية"، واتهمه باختلاس أموال الدولة وارتكاب جرائم أخرى، بما في ذلك اغتصاب الأطفال. لكن في عام 2020، تم انتخاب تاي عضوًا في البرلمان في كوريا الجنوبية.
وفي منشور على فيسبوك، رحب تاي بالمنشق الجديد، وكتب: "آمل أن يوحد جميع الدبلوماسيين الكوريين الشماليين السابقين قواهم ويعملوا بقوة لتحقيق حلم المواطنين الكوريين الشماليين والمسؤولين الحكوميين الذين سيعيش أطفالهم حياة الحرية في كوريا الجنوبية. مرحبًا بكم المستشار إيل كيو!".
وقال تاي إنه خلال الفترة التي خدم فيها كلاهما في وزارة الخارجية الكورية الشمالية، كان ري خصمه في ألعاب تنس الطاولة.
6 ساعات
في مقابلته مع صحيفة "تشوسون إلبو"، التي نشرت اليوم، قال ري إنه قرر الانشقاق بعد أن خاب أمله في أوهامه بشأن النظام الكوري الشمالي، ولأنه لم يحصل على تقييم عادل لعمله.
وقال إنه اتخذ القرار النهائي بالفرار عندما رُفض الطلب الذي قدمه العام الماضي للسفر إلى المكسيك لتلقي العلاج الطبي من مشاكل في القلب كان يعاني منها، وهو العلاج الذي لم تتمكن المستشفيات في كوبا من توفيره له بسبب العقوبات المفروضة على البلاد.
وأضاف: "لقد اشتريت تذاكر الطائرة، واتصلت بزوجتي وأطفالي لإبلاغهم بقراري قبل 6 ساعات من الانشقاق. لم أقل إننا ذاهبون إلى كوريا الجنوبية، قلت فقط سنعيش في الخارج".
وأوضح "ري" أن والديه ووالدي زوجته، الذين كان من الممكن أن يتعرضوا للاضطهاد من قبل النظام بعد الانشقاق، قد ماتوا بالفعل، وهذا الواقع جعل القرار أسهل.
وقال: "كل كوري شمالي يفكر مرة واحدة على الأقل في إمكانية الانتقال إلى كوريا الجنوبية".
ومن بين أمور أخرى، قال أيضًا إنه علم أثناء خدمته في وزارة الخارجية أن وزير خارجية كوريا الشمالية السابق ري يونج هو، أُرسل عام 2019 مع أفراد عائلته إلى معسكر اعتقال للسجناء السياسيين بشبهة الفساد، كجزء من قضية رشوة تتعلق بسفارة كوريا الشمالية في بكين.
يوم المنشقين
منذ النهاية العملية للحرب الكورية، التي دارت رحاها في الأعوام 1950-1953، فرّ نحو 34 ألف شخص من كوريا الشمالية إلى الجنوب، هربًا من القمع والفقر المدقع في بلدهم الأصلي.
وكانت معظم حالات الانشقاق من النساء من المناطق الشمالية والفقيرة في كوريا الشمالية، وحدثت في منتصف التسعينيات، عندما كانت بيونج يانج تعاني من مجاعة رهيبة يقدر أن مئات الآلاف من الناس ماتوا فيها.
وتحتفل كوريا الجنوبية، اليوم، بـ "يوم المنشقين الكوريين الشماليين"، وبهذه المناسبة، وعد الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك يول استعداده أن تقدم بلاده المزيد من المساعدات المالية للمنشقين من الشمال، وستقدم حوافز على شكل من الإعفاءات الضريبية للشركات التي توظفهم.
ونقلت هيئة الإذاعة الكورية الجنوبية "كيه بي إس"، عن الرئيس الكوري الجنوبي قوله "إن الحكومة لن تتجاهل أبدًا معاناة المواطنين الكوريين الشماليين"، مؤكدًا أن "حل أزمة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية يعد أساسًا مهمًا لتحقيق السلم والوحدة في شبه الجزيرة الكورية، وأن قبول المنشقين هو أول خطوة نحو هذا الهدف".
وتقول حكومة الجنوب إنه على الرغم من انخفاض العدد الإجمالي للهاربين القادمين من الشمال في السنوات الأخيرة، إلا أن عدد الكوريين الشماليين المتعلمين وذوي المهارات المهنية القادمين إليها ارتفع تدريجيًا بالفعل.
وفي كلتا الحالتين، فإن انشقاق أحد أعضاء نخبة الحزب الحاكم، مثل انشقاق ري الذي تم الكشف عنه اليوم، هو أمر غير عادي على الإطلاق.