الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لمواجهة العاصفة الثلاثية.. أوروبا تستنجد بقصر "بلينهايم" البريطاني

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر - أ رشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يستعد قصر بلينهايم التاريخي، مسقط رأس رئيس وزراء بريطانيا الأسبق إبان الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل، لاستضافة قمة المجتمع السياسي الأوروبي هذا الأسبوع، ووسط أجواء من التوتر السياسي والتحديات الاقتصادية والأمنية المتزايدة، تجد أوروبا نفسها في مفترق طرق حاسم، لتبرز بريطانيا كمنقذ محتمل، تحمل على عاتقها مهمة إعادة إحياء الرؤية الأوروبية المشتركة خلال منتدى المجتمع السياسي الأوروبي

منصة للحوار القاري

منتدى المجتمع السياسي الأوروبي هو مبادرة سياسية حديثة أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، بهدف توفير منصة للحوار والتعاون بين الدول الأوروبية، سواء كانت أعضاء في الاتحاد الأوروبي أم لا.

يضم المنتدى 47 دولة، بما فيها المملكة المتحدة وتركيا وأوكرانيا، ويسعى لمعالجة التحديات المشتركة التي تواجه القارة الأوروبية، مثل الأمن والطاقة والهجرة، دون الالتزام بالهياكل الرسمية للاتحاد الأوروبي. يُعقد المنتدى بشكل دوري، ويُنظر إليه كمحاولة لتعزيز الوحدة الأوروبية في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية المتزايدة.

قمة على حافة الهاوية

كشف تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية عن كواليس مثيرة سبقت انعقاد القمة، إذ أوضحت مصادر دبلوماسية أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، ريشي سوناك، لم يكن متحمسًا لاستضافة الحدث، خاصة في عام الانتخابات 2024، ووصل الأمر إلى حد إرسال وزير الخارجية، ديفيد كاميرون، إلى باريس في أواخر عام 2023 لاستكشاف إمكانية إلغاء القمة أو نقلها إلى دولة أخرى.

هذا الموقف المتردد من قِبل الحكومة البريطانية يعكس حجم التحديات الداخلية التي تواجهها المملكة المتحدة، وربما يشير إلى تخوفات من تبعات استضافة مثل هذا الحدث الكبير.

لكن الصحيفة تشير إلى أن تدخل الرئيس الفرنسي، كان حاسمًا، إذ أوضح ماكرون، مبتكر فكرة المنتدى، ما قد يحدث للعلاقات "الأنجلو-فرنسية" إذا انسحبت بريطانيا من استضافة القمة.

هذه الواقعة تسلّط الضوء على الدور المحوري الذي لا تزال بريطانيا تلعبه في السياسة الأوروبية، حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، كما تشير إلى حجم التوقعات المعلقة على هذه القمة، التي يُنظر إليها كفرصة لإعادة رسم خارطة العلاقات الأوروبية في عصر ما بعد البريكست.

بين الطموح والواقع

منذ انطلاقه في أكتوبر 2022، واجه منتدى المجتمع السياسي الأوروبي تحديات جمة في تحقيق أهدافه، فبعد النجاح الباهر للقمة الأولى في العاصمة التشيكية "براج"، التي حضرها 44 رئيس دولة وحكومة، بدأت القمم اللاحقة في مولدوفا وإسبانيا تواجه انتقادات متزايدة.

ونقلت "الجارديان" وصف موقع "بوليتيكو" لقمة غرناطة الأخيرة بأنها شهدت "49 زعيمًا، و700 صحفي، وعشرات الاجتماعات الثنائية.. وبدون قرارات".

هذا الوصف يلخص التحدي الرئيسي الذي يواجه المجتمع السياسي الأوروبي: كيف يمكن تحويل هذا التجمع الضخم من القادة إلى آلية فعّالة لصنع القرار وحل المشكلات؟

في ظل هذه التحديات، تقع على عاتق المملكة المتحدة مسؤولية كبيرة في قمة بلينهايم، فهي ليست مجرد مضيف للحدث، بل عليها أن تثبت أن المجتمع السياسي الأوروبي يمكن أن يكون أكثر من مجرد منتدى للحوار، وأنه قادر على إنتاج نتائج ملموسة تعالج التحديات الملحة التي تواجه القارة.

إعادة تعريف الدور البريطاني

في خضم هذه التحديات، يبرز دور كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض ورئيس الوزراء البريطاني، فقصر بلينهايم، بكل ما يحمله من رمزية تاريخية، يمنح الأخير منصة فريدة لتقديم رؤيته لمستقبل أوروبا والدور البريطاني فيها.

يشير تحليل "الجارديان" إلى أن ستارمر لديه فرصة ذهبية لتقديم رؤية لأوروبا، ما قد يساعد في إعادة تعريف العلاقة البريطانية-الأوروبية في عصر ما بعد البريكست.

فبدلاً من التركيز على الخلافات التجارية والتنظيمية، يمكن لستارمر أن يقدم رؤية تركز على القيم المشتركة والتحديات العالمية التي تتطلب تعاونًا أوروبيًا موحدًا.

التحديات الكبرى

تواجه القارة الأوروبية اليوم ما يمكن وصفه بـ"العاصفة الثلاثية" من التحديات التي تهدد استقرارها وازدهارها على المدى الطويل، فمن ناحية، تستمر أزمة الهجرة غير النظامية في تمزيق النسيج السياسي والاجتماعي للدول الأوروبية، مع عجز واضح عن إيجاد حل شامل يرضي جميع الأطراف.

ومن ناحية أخرى، تجد الديمقراطيات الأوروبية نفسها في مواجهة مستمرة مع تهديد المعلومات المضللة، خاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت حملات التضليل والتلاعب بالرأي العام أكثر تعقيدًا وتأثيرًا.

وأخيرًا، يبرز تحدي انعدام أمن الطاقة كأحد أخطر التهديدات التي تواجه القارة، خاصة مع استمرار الصراع في أوكرانيا، مما يضع أوروبا في موقف هش فيما يتعلق بمصادر الطاقة، ويؤثر بشكل مباشر على اقتصاداتها وأمنها القومي.

هذه التحديات الثلاثة مجتمعة تشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على العمل الجماعي والتكاتف في مواجهة الأزمات، وتبرز أهمية قمة بلينهايم في توفير منصة لمناقشة هذه القضايا الملحة بشكل شامل وعميق، بعيدًا عن القيود البيروقراطية التي قد تفرضها مؤسسات الاتحاد الأوروبي التقليدية.