في قلب مدينة ميلووكي الأمريكية، ينطلق اليوم ولمدة أربعة أيام، المؤتمر الجمهوري الوطني لعام 2024 الذي لا يعد مجرد تجمع حزبي عادي، بل مسرح لدراما سياسية متصاعدة، تتشابك فيها خيوط الطموح والتحدي والمفاجآت.
وعلى وقع دوي رصاصات كادت أن تغيّر مسار التاريخ الأمريكي بعد محاولة اغتيال فاشلة لدونالد ترامب، يستعد الحزب الجمهوري لتتويج الأخير مرشحًا رسميًا للرئاسة للمرة الثالثة.
التقليد والتجديد
يشهد اليوم الأول من المؤتمر الجمهوري حدثًا تقليديًا مهمًا، إذ يجتمع نحو 2400 مندوب من جميع أنحاء البلاد لترشيح دونالد ترامب رسميًا خلال عملية تصويت.
وكما أفادت "سي بي إس نيوز"، تقوم الولايات بإعلان عدد المندوبين الذين سيمنحونهم لكل مرشح بالترتيب الأبجدي، وفقًا لقواعد الحزب في كل ولاية، ورغم أن هذا التصويت يعتبر إجراءً شكليًا، إذ إن ترامب قد ضمن الترشيح فعليًا في مارس الماضي بحصوله على 1125 مندوبًا، إلا أنه يبقى لحظة رمزية مهمة.
ومن المقرر أن يلقي ترامب خطاب قبول الترشيح مساء الخميس، للمرة الثالثة منذ عام 2016.
وإلى جانب هذه المراسم، سيتبنى الحزب الجمهوري مواقف جديدة تتضمن تغييرات ملحوظة في بعض القضايا، إذ لوحظ تخفيف حدة لغته المستخدمة فيما يتعلق بقضية الإجهاض، مع تأكيد أن هذه القضية ينبغي أن تُحدد من قِبل الولايات الفردية، كما تقترح التغيرات تخفيضات ضريبية وعمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.
إجراءات أمنية مشددة
في أعقاب محاولة الاغتيال، شهدت الترتيبات الأمنية للمؤتمر الجمهوري الوطني تحولًا دراماتيكيًا، وفقًا لما أوردته شبكة "سي بي إس نيوز"، فالأجهزة الأمنية الأمريكية قد رفعت مستوى التأهب إلى أقصى درجاته، متخذة سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة لضمان سلامة المشاركين والحضور.
في قلب هذه الإجراءات يأتي توسيع المحيط الأمني حول مركز فايسيرف فوروم، المقر الرئيسي للمؤتمر، ليشمل أيضًا إنشاء طبقات أمنية متعددة من المناطق العازلة، مصممة لمنع أي محاولات تسلل أو اختراق.
وقد أشارت المصادر الأمنية إلى أن هذه المناطق العازلة ستخضع لمراقبة مستمرة ودقيقة، مع استخدام أحدث التقنيات في مجال الرصد والكشف عن التهديدات.
إضافة إلى ذلك، كشفت "سي بي إس نيوز" عن زيادة كبيرة في عدد أفراد الأمن المنتشرين في محيط المؤتمر وداخله.
هذه الزيادة لا تقتصر على العناصر المرئية فحسب، بل تشمل أيضًا فرقًا متخصصة من عناصر الأمن السري، مدربة على التعامل مع مختلف أنواع التهديدات المحتملة، إضافة إلى تكثيف عمليات التفتيش والمراقبة لجميع الداخلين إلى منطقة المؤتمر، مع استخدام أجهزة متطورة للكشف عن المعادن والمتفجرات.
وفي خطوة غير معتادة، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" والخدمة السرية تقييمًا مشتركًا للتهديدات المحتملة، ما يعكس مدى الجدية التي تتعامل بها السلطات مع أمن المؤتمر.
المتحدثون الرئيسيون
يشهد المؤتمر الجمهوري الوطني لعام 2024 تشكيلة متنوعة ومثيرة للاهتمام من المتحدثين الرئيسيين، تجمع بين شخصيات بارزة من عالم السياسة والإعلام وأفراد من عائلة ترامب.
وقد كشفت "سي بي إس نيوز" عن قائمة تضم أسماء لامعة ستتولى إلقاء الكلمات الرئيسية خلال أيام المؤتمر، في مقدمتها تاكر كارلسون، المذيع التلفزيوني والمعروف بدعمه القوي لترامب، إذ يُتوقع أن يقدم كارلسون خطابًا ناريًا يعكس وجهة النظر المحافظة التي يتبناها، وقد يتطرق إلى قضايا مثل الهجرة والأمن القومي التي طالما كانت محور اهتمامه.
كما يبرز اسم فيفيك راماسوامي، رجل الأعمال والسياسي الصاعد في الحزب الجمهوري، الذي لفت الأنظار خلال السباق التمهيدي للحزب، ومن المتوقع أن يقدم رؤية جديدة للحزب تجمع بين الأفكار المحافظة التقليدية والنظرة المستقبلية للتحديات التي تواجه أمريكا.
ومن الشخصيات السياسية البارزة التي ستلقي كلمات في المؤتمر، مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، إذ يُنظر إلى خطاب جونسون على أنه فرصة لتوحيد صفوف الحزب وتقديم رؤية واضحة للسياسات التشريعية التي سيتبناها الجمهوريون في حال فوزهم بالانتخابات.
وبالطبع، لن يكتمل المشهد دون مشاركة أفراد من عائلة ترامب، فمن المقرر أن يلقي كل من دونالد ترامب جونيور وإريك ترامب، نجلي الرئيس السابق، كلمات في المؤتمر، كما ستشارك خطيبتاهما في إلقاء الخطابات، ما يضفي بُعدًا عائليًا على الحدث ويعزّز صورة ترامب كزعيم عائلي وسياسي في آن واحد.
ومن اللافت للنظر غياب ميلانيا ترامب، زوجة الرئيس السابق، وإيفانكا ترامب، ابنته، عن قائمة المتحدثين، ما يثير تكهنات وتساؤلات حول أسباب غيابهما، خاصة في ضوء الدور البارز الذي لعبته إيفانكا في إدارة والدها السابقة.
اختيار نائب الرئيس
مع اقتراب موعد انطلاق المؤتمر، يتصاعد الترقب والتكهنات حول هوية الشخصية التي سيختارها دونالد ترامب لمنصب نائب الرئيس، إذ إنه وفقًا لما أوردته شبكة "سي بي إس نيوز"، فإنه من المتوقع أن يعلن ترامب اختياره خلال أيام المؤتمر، ما يضيف عنصرًا من الإثارة والغموض إلى الحدث.
تضم القائمة المختصرة للمرشحين المحتملين عددًا من الأسماء البارزة في الحزب الجمهوري، في مقدمة هؤلاء يأتي السناتور جي دي فانس من ولاية أوهايو، الذي يُنظر إليه على أنه يمثل الجيل الجديد من السياسيين المحافظين.
و"فانس" معروف بخلفيته العسكرية وآرائه المحافظة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، قد يكون خيارًا جذابًا لترامب لاستقطاب الناخبين في الولايات الصناعية الرئيسية.
كما يبرز اسم السناتور ماركو روبيو من فلوريدا كمرشح محتمل قوي، وهو ذو أصول كوبية، ما قد يساعد في تعزيز شعبية ترامب بين الناخبين اللاتينيين، وهي فئة ديموغرافية متنامية الأهمية في الانتخابات الأمريكية، إضافة إلى ذلك، فإن خبرة روبيو في السياسة الخارجية قد تكون عاملًا مهمًا في اختياره.
السناتور تيم سكوت، من ساوث كارولينا، اسم آخر تردد بقوة في الأوساط السياسية، إذ أنه أول سناتور جمهوري أسمر البشرة من الجنوب، ما قد يساعد في توسيع قاعدة الدعم لترامب بين الناخبين من ذوي البشرة السمراء والمحافظين الاجتماعيين.
أما حاكم داكوتا الشمالية دوج بورجوم، فيمثل خيارًا يجمع بين الخبرة التنفيذية كحاكم ولاية والقدرة على استقطاب الناخبين في الولايات الريفية والغربية.
و"بورجوم" معروف بمواقفه المحافظة في قضايا مثل حقوق حمل السلاح والطاقة، وقد يكون إضافة قوية لتذكرة ترامب الانتخابية.
هذا الاختيار سيكون محور اهتمام كبير، ليس فقط داخل الحزب الجمهوري، بل على الساحة السياسية الأمريكية ككل، فشخصية نائب الرئيس ستلعب دورًا محوريًا في تشكيل استراتيجية الحملة الانتخابية وقد تؤثر بشكل كبير على فرص ترامب في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
من الخصومة إلى التأييد
في تطور لافت، أعلن حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي كان يُعتبر المنافس الأقوى لترامب في الانتخابات التمهيدية، عن مشاركته في المؤتمر وإلقائه خطابًا، كما قبلت نيكي هيلي، السفيرة السابقة للأمم المتحدة والمرشحة السابقة أيضًا، دعوة للتحدث في المؤتمر.
هذه الخطوات تعكس محاولة لتوحيد صفوف الحزب الجمهوري خلف ترامب، رغم الخلافات والمنافسات السابقة.