تعتمد المنطقة العربية بشكل كبير على النفط والغاز، مصدرًا رئيسيًا للطاقة والإيرادات الاقتصادية، فهذه المنطقة تضم مجموعة من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم، والتي تمثل العمود الفقري لاقتصادات العديد من دول المنطقة، ولعبت دورًا حيويًا في تطوير البنية التحتية والتعليم وأنظمة الرعاية الصحية، ولعبت دورًا مهمًا في نموها الاقتصادي وتطورها، ومع ذلك هناك تحول تدريجي نحو الطاقة المتجددة والنظيفة، بسبب عوامل مثل التغير المناخي والضغوط الاقتصادية والتطورات التكنولوجية.
وعلى الرغم من وفرة موارد الطاقة في بعض الدول، تواجه العديد من البلدان الأخرى في المنطقة العربية تحديات كبيرة في مجال الطاقة، إذ أدى النمو السكاني والتحضر السريع في المنطقة إلى زيادة الطلب على الطاقة، ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية IEA))، من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة الأولية في المنطقة العربية بنسبة 56٪ بحلول عام 2040، مع توقع تضاعف الطلب على الكهرباء.
كما أدى الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري إلى عدد من التحديات، بما في ذلك التدهور البيئي الناجم غازات الاحتباس الحراري وارتفاع تكلفة إنتاج الطاقة، فضلًا عن تقلب أسعار النفط في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي من شأنه زيادة الحاجة إلى التنويع وتطوير مصادر الطاقة البديلة.
في هذا السياق، تُثار عدة تساؤلات، أهمها: ما التحديات الحالية التي تواجه قطاع الطاقة في المنطقة العربية؟ وماذا يحمل المستقبل من فرص تساهم في التغلب على هذه التحديات بما يعزز ويدعم إمكانيات هذا القطاع؟ وكيف يمكن أن يساهم التعاون الإقليمي العربي في التغلب على تلك التحديات وتعظيم الاستفادة من هذه الفرص؟
التحديات الحالية
تواجه المنطقة العربية العديد من التحديات للتحول والانتقال الناجح في مجال الطاقة عبر استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ورغم توافر الموارد الطبيعية المتجددة في المنطقة، إلا أن استخدام مصادر الطاقة المتجددة لا يزال محدودًا. ومن المهم تحديد ومعالجة العوامل التي تحول دون تطوير هذه المصادر بشكل أكبر في المنطقة العربية، إذ يواجه الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون ومستدام في المنطقة العربية عددًا من التحديات، من بينها نقص التمويل والبنية التحتية اللازمة، وضعف الإطار التنظيمي والمؤسسي، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على الهيدروكربونات كمصدر رئيسي للطاقة والدخل، وزيادة الطلب على الطاقة، وتعرض الاقتصاد للصدمات الخارجية مثل تذبذب أسعار النفط، فضلا عن الصراعات والأزمات التي تجتاح المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة. هذا فضلًا عن تزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والآثار الناجمة عن تغير المناخ.
وفي ضوء ذلك، يمكن رصد التحديات الرئيسية للطاقة في المنطقة العربية على النحو التالي:
(*) عدم توفر البنية التحتية الطاقوية: غالبًا ما تفتقر الدول العربية إلى البنية التحتية اللازمة لدعم التحول إلى الطاقة المتجددة، فعادة ما تكون شبكات الكهرباء في المنطقة قديمة وغير مجهزة للتعامل مع إنتاج الطاقة المتجددة على نطاق واسع. ويرتبط بهذا التحدي، الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية للطاقة المتجددة. وعلى الرغم من تدشين الحكومات العربية مشروعات للطاقة المتجددة، إلا أنه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين إمكانات الطاقة المتجددة والإنتاج بسبب ارتفاع الطلب والنمو السكاني.
وتحتاج دولة الإمارات، على سبيل المثال، لاستثمارات تُقدر بنحو 162 مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة، لتتمكن من توليد 50% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2050.
(*) التكلفة العالية لمشروعات الطاقة المتجددة: انخفضت تكلفة مشروعات الطاقة المتجددة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال تتطلب استثمارات أولية كبيرة، والتي قد يكون من الصعب تأمينها في البلدان ذات الوصول المحدود إلى أسواق رأس المال، لذا فإن أحد أكبر التحديات هو التكلفة العالية لتقنيات الطاقة المتجددة مقارنة بالوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من أن تكلفة مصادر الطاقة المتجددة آخذة في الانخفاض، إلا أنها تظل أعلى تكلفة من الوقود الأحفوري التقليدي في كثير من الحالات.
(*) نقص العمالة الماهرة في قطاع الطاقة: قد لا تمتلك بعض دول المنطقة الخبرة الفنية اللازمة لتنفيذ سياسات الطاقة المتجددة بشكل فعال، إذ يتطلب نشر مشروعات الطاقة المتجددة عمالة ماهرة، والتي غالبًا ما يكون هناك نقص فيها بالمنطقة العربية، ويرجع ذلك إلى نقص الاستثمار في برامج التعليم والتدريب الفني، مما أدى إلى نقص الكوادر المؤهلة لتركيب وتشغيل وصيانة أنظمة الطاقة المتجددة.
(*) المشكلات التقنية والتكنولوجية: مثل التخزين الذي يمثل أحد التحديات الرئيسية مع مصادر الطاقة المتجددة ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا يعني أنه لا يمكن توليد الطاقة باستمرار وهو ما قد يتطلب مصادر طاقة احتياطية، فهناك حاجة لتقنيات تخزين الطاقة لتخزين الطاقة الزائدة المتولدة خلال أوقات الإنتاج القصوى لاستخدامها خلال أوقات الإنتاج المنخفضة، والتي لا تزال تكلفتها عالية –أي تقنيات تخزين الطاقة– وهو ما يشكل عائقًا أمام نشرها في المنطقة.
(*) الحواجز والعقبات التنظيمية: يمثل الافتقار إلى سياسات وأنظمة واضحة لتعزيز الطاقة المتجددة عائقًا رئيسيًا أمام انتشارها في المنطقة. وفي العديد من البلدان، لا يزال دعم الوقود الأحفوري ساريًا، مما يجعل من الصعب على الطاقة المتجددة التنافس على أرض متكافئة، فقد ترتب على العقبات البيروقراطية عدم تطوير مشروعات الطاقة المتجددة.
الفرص المستقبلية
في ظل الارتفاع المستمر بأسعار الطاقة التقليدية عالميًا وضررها البيئي من جهة، والسعي إلى تنويع مصادر الطاقة من جهة أخرى، اتجهت دول العالم ومنها الدول العربية إلى زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء.
وجاء توجه الدول العربية لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، لتمتعها بأجواء مشمسة معظم العام، بالتوازي مع توقعات بأن تشهد الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، زيادة بمقدار 3 أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوابك".
وتتميز المنطقة العربية بموارد وفيرة من الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، والتي تتوافر بكثرة وبأسعار تصبح أرخص يومًا بعد يوم، ولديها القدرة على إحداث ثورة في مجال الطاقة في العالم العربي، كل ذلك جعل مستقبل التحول الطاقوي في المنطقة العربية يبدو مشرقًا ومليئًا بالفرص.
وفي ضوء ما سبق يمكن رصد العديد من الفرص التي تعزز التحول في قطاع الطاقة بالمنطقة العربية ليصبح متنوع المصادر، ويأتي في مقدمة هذه الفرص ما يلي:
(&) توفر الطاقة الشمسية وتنامي الاعتماد عليها: تتمتع الدول العربية بموارد شمسية غنية، مما يجعلها موقعًا مثاليًا لمشروعات الطاقة الشمسية؛ إذ تقدر إمكانات الطاقة الشمسية في المنطقة بنحو 5000 تيرا واط / ساعة / سنة. وتوقعت "أوابك" العام الماضي، استحواذ السعودية والإمارات وعُمان والمغرب ومصر على 72% من إجمالي النمو في الطاقة المتجددة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الـ5 سنوات المقبلة، وأن تشكّل حصة الطاقة الشمسية الكهروضوئية 75% من زيادة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة.
وتعد مصر والإمارات والمغرب والأردن والسعودية، أكثر 5 دول عربية إنتاجًا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في منطقة الشرق الأوسط، بحسب تقرير لمنظمة جلوبال إنيرجي مونيتور. وتصدرت الإمارات ومصر والأردن وقطر والمغرب وعُمان قائمة أكثر الدول العربية توليدًا للكهرباء من الطاقة الشمسية عام 2022.
(&) تزايد توليد الطاقة من الرياح: بعض المناطق تتمتع بظروف مثالية لتطوير مشروعات طاقة الرياح، إذ تبلغ إمكانات طاقة الرياح نحو 50 ألف ميجاوات. وتأتي كل من مصر والأردن في مقدمة الدول العربية قابلية للاستفادة من طاقة الرياح، حيث يبلغ معدل سرعة الرياح ما مقداره 11.8 متر/ ثانية في خليج السويس في مصر، و7.5 متر/ ثانية في الأردن.
(&) تحسين الكفاءة الطاقية في المنطقة العربية: يمكن تحسين كفاءة استخدام الطاقة من تقليل الاستهلاك وتعزيز الاستدامة، وتنفيذ خطط ومستهدفات هذا التحسين يتطلب العمل على توفير العمالة الماهرة في قطاع الطاقة.
ووفقًا لتقييم حديث أجرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فمن الممكن توفير 45 مليون وظيفة في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، ومن المتوقع أيضًا أن تنمو الوظائف المرتبطة بكفاءة استخدام الطاقة بنسبة 25% على مدى السنوات القليلة المقبلة.
(&) ازدهار التكنولوجيا والابتكار في مجال الطاقة: الاستثمار في البحث والتطوير يمكن أن يؤدي إلى تقنيات جديدة وأكثر كفاءة، فبعض الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بدأت في تنفيذ خطط طموحة للطاقة المتجددة، إذ تسعى الإمارات لتحقيق نسبة عالية من استهلاكها من الطاقة المتجددة بحلول 2050.
(&) مساعي تعزيز دور التكامل الإقليمي في التحول الطاقوي العربي: يلعب التكامل الإقليمي دورًا مهمًا في التحول الطاقوي في المنطقة العربية. إذ يمكن للتعاون الإقليمي العربي أن يساعد في تحقيق أمن الطاقة وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وتوظيف عائداتها المالية في عملية التنمية المستدامة، ومن شأن هذا الدور تحقيق آثار اقتصادية إيجابية قوية في المستقبل القريب جدًا.
وعلى سبيل المثال، يجري حاليًا تطوير سوق الكهرباء العربية، والذي يهدف إلى زيادة تجارة الكهرباء عبر الحدود من 2% حاليًا إلى 40% بحلول عام 2035. ويمكن أن يتحقق من خلال تعزيز التعاون الإقليمي العربي، تطوير تصنيع مكونات الطاقة المتجددة.
إجمالًا، يمكن القول إنه على الرغم مما يشهده الواقع الراهن العربي من تحديات في قطاع الطاقة، إلا أن المستقبل يحمل العديد من الفرص التي تعزز هذا القطاع ليصبح أكثر وفرة ومرونة في المنطقة العربية.
ويتطلب تعظيم الاستفادة من هذه الفرص، المزيد من دعم وتعزيز جهود التعاون العربي المشترك في مجال الطاقة بهدف زيادة الاستثمارات المطلوبة لبناء البنية التحتية الأساسية لذلك القطاع، فضلًا عن توفير التمويل المستدام لبرامج الطاقة المستقبلية.