عكس البيان الختامي لقمة قادة مجموعة الدول السبع الصناعية في 14 يونيو 2024، التي انعقدت في إيطاليا، المخاوف التي تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي، لا سيما أن القضايا التي طُرحت على أجندة مناقشات القادة كان القاسم المشترك لمعظمها بأنها تشكل بيئات مناسبة لتفجر الأزمات المعقدة سواء ما يتعلق منها بالتوترات الإقليمية التي ربما سيكون لها مردودها على المستوى الدولي، ليتسع نطاقها جغرافيًا ويصعب السيطرة على اتجاهاتها ومنها الحرب الإسرائيلية على غزة، واحتمالية امتداد الصراع على جبهات متعددة في ظل الإخفاق الدولي في وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية بالقدر الذي يخفف من المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة.
أما على المستوى الدولي فتشكل الحرب الروسية الأوكرانية الهاجس الأصعب الذي يؤرق قادة الدول السبع في ظل النجاحات التي حققها الجيش الروسي في أوكرانيا، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو تزويد أوكرانيا بأسلحة تستهدف العمق الروسي، الأمر الذي جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحذّر الدول الغربية من تسليح أوكرانيا بتلك الأسلحة، فضلًا عن اتجاهه نحو تمتين علاقات روسيا الاستراتيجية مع كوريا الشمالية التي زارها يومي 18 و19 يونيو 2024، ووقّع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية الشاملة، تقر بالدفاع المشترك بين البلدين.
تهديدات متنامية
اشتمل بيان قادة الدول السبع في ختام اجتماعات المجموعة ومناقشاتهم على هامش فعاليات القمة على عدد من القضايا التي ترتبط بالإدراك المشترك للتهديدات المعقدة التي أفرزتها التفاعلات الإقليمية والدولية وسبل تسويتها، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:
(*) دعم حل الدولتين وفقا للمرجعيات ومقررات الشرعية الدولية: كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن المعايير المزدوجة للمنظومة الغربية، وبرغم خروج المظاهرات في عواصم الدول الكبرى، ومنها مظاهرات الجامعات الأمريكية والأوروبية للمطالبة بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، وكذلك محاكمة إسرائيل أمام محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية، واتخاذ مجلس الأمن قرار بوقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل لم تنصع لإرادة المجتمع الدولي لوقف حربها الغاشمة ضد غزة، لذلك أعلن قادة مجموعة السبع التزامهم الثابت بحل الدولتين، الإسرائيلية والفلسطينية، تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، ومطالبين بأهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية، وداعين جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي إجراءات أحادية من شأنها تقويض احتمالات التوصل إلى حل الدولتين، بما في ذلك التوسع الإسرائيلي في المستوطنات، ومحاولة إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية.
وندد قادة مجموعة السبع بتصاعد أعمال عنف المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين، الأمر الذي يقوّض الأمن والاستقرار في الضفة الغربية، ويهدد آفاق السلام الدائم، كما عبّروا عن القلق العميق إزاء العواقب المترتبة على السكان المدنيين نتيجة للعمليات البرية التي تشنها القوات الإسرائيلية حاليًا على رفح جنوبي غزة.
(*) الحدود اللبنانية الإسرائيلية: تشكل الحدود اللبنانية أحد المحاور الملتهبة التي تشهد تصعيدًا منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 بعد تصاعد ما وصف بـ"وحدة الساحات"، لذلك لفت قادة مجموعة السبع إلى قلقهم بشأن التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مشيرين إلى الدور الأساسي لتحقيق الاستقرار، الذي تلعبه القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" في التخفيف من هذا الخطر.
وحضَّ البيان الأطراف المعنية (إسرائيل وحزب الله) على ممارسة ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي، وجددت المجموعة إدانتها الشديدة للهجوم الإيراني على إسرائيل في منتصف أبريل 2024، والذي يعد بمثابة تصعيد غير مقبول وفق البيان، وأكدت من جديد التزامها بأمن إسرائيل، داعيًة في الوقت نفسه جميع الأطراف إلى خفض التوتر والمساهمة بطريقة بناءة في خفض التصعيد.
(*) وقف الهجمات في البحر الأحمر: شكّل إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 19 ديسمبر 2023 عن تحالف دولي أطلق عليه حارس الازدهار من قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة الدولية بالبحر الأحمر عقب الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد الناقلات الدولية. وبمشاركة فى التحالف عدد من الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا والنرويج، وسيشيل وإسبانيا.
ومع استمرار تهديدات "الحوثيين" أدانت مجموعة السبع الهجمات المستمرة التي تنفذها الجماعة ضد السفن الدولية والتجارية التي تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن. وأكد البيان ضرورة "إنهاء هذه الهجمات غير القانونية"، داعيًا إلى الإفراج عن السفينة "جالكسي ليدر" وطاقمها من قبل "الحوثيين". وأكدت المجموعة على حق الدول في الدفاع عن نفسها، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2772، ووفقًا للقانون الدولي، واعتبر البيان أن الهجمات الحوثية المستمر في البحر الأحمر تهدد بزعزعة استقرار المنطقة، ووقف حرية الملاحة وتدفقات التجارة، وتقويض خارطة الطريق التي تقودها الأمم المتحدة نحو السلام في اليمن للخطر.
(*) منع إيران من امتلاك أسلحة نووية: اعتبرت مجموعة السبع أنه يجب على إيران الكف عن أفعالها المزعزعة للاستقرار وأكدت بحسب البيان عزمها على ألا تقوم إيران بتطوير أو حيازة سلاح نووى وحثت طهران على وقف التصعيد النووى، ووقف أنشطة تخصيب اليورانيوم المستمرة "التي لا مبرر لها"، وأشار البيان إلى أهمية أن تنخرط إيران في حوار جاد وتقدم ضمانات مقنعة بأن برنامجها النووى سلمي بالتعاون الكامل والامتثال لآلية الرصد والتحقق التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما دعت المجموعة طهران إلى عدم مساعدة موسكو في الحرب بأوكرانيا وعدم نقل الصواريخ الباليستية والتكنولوجيا ذات الصلة لأن هذا من شأنه يمثل تصعيدًا ماديًا جوهريًا وتهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي وفق البيان الذي أكد فى الوقت نفسه الاستعداد للرد على إيران بطريقة سريعة ومنسقة بما في ذلك اتخاذ تدابير جديدة ومهمة، كما طالب البيان إيران بوقف أعمالها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
(*) عقوبات ضد روسيا: تشكل الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث التحدي الأبرز الذي يواجه دول مجموعة السبع، لا سيما أن الحرب أفرزت انقسامًا دوليًا ما بين معسكرين أحدهما داعم للتحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة والآخر داعم للموقف الروسي والمساند له باعتبار أن الحرب في أحد أبعادها تعكس الرغبة الروسية في التحول من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية التي تعطي مساحة للقوى الصاعدة على مسرح السياسة الدولية، لذلك جاء تأكيد رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني على أن قادة مجموعة الدول السبع توصلوا إلى اتفاق بشأن استخدام أصول روسية مجمدة لمساعدة أوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار، فيما وصف المستشار الألماني أولاف شولتس ذلك بالاتفاق التاريخي بما يمكن أوكرانيا من توفير الأسلحة والاستثمارات في إعادة الاعمار، كما أنه يعد إشارة واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تؤكد تضامن الغربيين مع كييف.
استقرار هش
عكست نتائج أعمال قمة مجموعة السبع وبيانها الختامي استمرار التوجه الغربي بمعاييره المزدوجة إزاء الأزمات الكبرى التي تواجه العالم وتؤثر على السلام والاستقرار الدوليين، الأمر الذي تجلى في العديد من الشواهد التي تؤكد الاستقرار الهش للنظام الدولي بشكل عام..
أولها؛ مساندة الغرب لأوكرانيا لمواجهة روسيا بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية، في حين وقف الغرب عاجزًا أمام العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة بعد أن دمرت إسرائيل البنية التحتية للقطاع وسقوط ما يزيد على 100 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح.
ثانيها؛ فشل المؤسسات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن لتنفيذ قراره بوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بعد أن تبني المجلس مقترح الرئيس بايدن لوقف الحرب وعودة المحتجزين والرهائن وإعادة اعمار غزة.
ثالثها إخفاق مجموعة الدول السبع في اتخاذ قرارات تسهم في الحد من سياسة حافة الهاوية التي تتبناها القوى الدولية والإقليمية في تفاعلاتها وسعيها للحفاظ على الوضع الراهن القائم على استمرار النفوذ الغربي لتسيير الشؤون الدولية مع تجاهل للصعود الصينى ومحاولة تطويقه ومنع تمدده، وهو إحدى القضايا الجوهرية التي ناقشتها قمة الدول السبع.
مجمل القول؛ تعكس نتائج قمة مجموعة الدول السبع التي تستحوذ على ما يقرب من 60% من الثروة العالمية، غياب رؤية مشتركة لمواجهة التحديات العالمية المعقدة، فضلًا عن عدم القدرة على التوفيق بين المصالح السياسية المتعارضة داخل المجموعة نفسها، وهو ما تجلى في الاستقبال الفاتر للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من قِبل رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة.
ومع صعود مجموعة البريكس وتفوقها لأول مرة على مجموعة السبع الأكثر تقدمًا، وذلك بعد أن وصل مساهمة دول بريكس 31.5% من الاقتصاد العالمي، مقابل 30,7 % للقوى السبع الصناعية، فإن هناك مسارات بديلة للتقدم والتنمية يمكن أن تمثل تجارب تنموية صاعدة تحد من هيمنة ونفوذ الغرب سياسيًا واقتصاديًا.