جاء انعقاد القمة السنوية للدول الصناعية السبع الكبرى بمدينة هيروشيما اليابانية في الفترة من 19-21 مايو 2023، والتي ضمت قادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، واليابان، في ظل سياق دولي متغير، أهم أعراضه استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم وضوح أي أفق لتسويتها على المدى القريب، بما جعل تلك الحرب والعقوبات المقترح فرضها على روسيا، في مقابل تقديم الدعم المكثف لأوكرانيا وقضايا دولية أخرى من أولويات أجندة اجتماع القمة، التي كان من أبرزها: التغيرات المناخية، وكيفية التفاعل مع أزمات الاقتصاد العالمي وآليات كبح التضخم المتزايد، واستراتيجية التعامل مع الصعود الصيني فى إطار من الاحتواء لا المواجهة.
يذكر أن؛ القمة الأولى لهذه المجموعة عُقدت عام 1975، عندما اجتمعت ست دول لتبادل الأفكار والحلول المحتملة لأزمة الاقتصاد العالمي، وفى العالم التالي انضمت كندا لهذه المجموعة. وتعقد المجموعة اجتماعاتها بشكل دورى سنويًا، وتضم أكبر الاقتصادات المتقدمة وأغنى الأنظمة الليبرالية الديمقراطية، وتستأثر دول المجموعة بحسب إحصاءات 2018 على نسبة تقارب 60% من صافي الثروة العالمية، وبين 32 إلى 42% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويبلع عدد سكان المجموعة ما يقرب من 770 مليون نسمة تقريبًا، يشكلون 10% من سكان العالم.
دلالات متعددة:
عكست القضايا والملفات التي طُرحت على طاولة القمة وتضمنها بيانها الختامي العديد من الدلالات، يُعد من أهمها:
(*) الموقف من الصين: يمثل الصعود الصيني الاقتصادي والعسكري هاجسًا يؤرق الدول السبع الصناعية، لاسيما وأن المؤشرات الاقتصادية العالمية تتوقع نموًا مطردًا للاقتصاد الصيني، بعد أن حل في المرتبة الثانية عالميًا بعد الاقتصاد الأمريكي، وعبّر قادة المجموعة عن تلك المعضلة في البيان الختامي بإظهار الرغبة في إقامة علاقات بناءة ومستقرة مع الصين وفق القواعد الدولية. ولكن في نفس التوقيت دعا قادة المجموعة إلى الاتجاه نحو تقليص الاعتماد على التجارة مع الصين، فضلاً عن رفضهم لاتجاه بكين نحو عسكرة بحر الصين الجنوبي، ودعمهم تايوان في مواجهة التهديدات الصينية، كما اعتبر قادة مجموعة الدول السبع أن تعزيز الصين لترسانتها النووية يشكل مصدر قلق للاستقرار العالمي والاقليمي. من ناحية أخرى عبر قادة المجموعة عن رغبتهم في دفع الرئيس الصيني شى جين بينج، لقيادة حوار لإنهاء ما وصفوه بحرب الرئيس بوتين فى أوكرانيا، قائلين إنه "على بكين دعم سلام شامل وعادل ودائم على أساس وحدة الأراضي وميثاق الأمم المتحدة ومقاصده".
(*) دعم أوكرانيا: تصدرت الحرب الروسية الأوكرانية جدول أعمال قمة الدول الصناعية السبع، وتعهد قادتها بدعم ذلك أوكرانيا ما دام ضروريًا، وتنويع مصادر هذا الدعم الذى أضحى دعمًا شاملًا، منه ما هو دبلوماسي ومالي وإنساني وعسكري. وقد استضافت المجموعة خلال فعالياتها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكى، الذى ألقى كلمة طالب فيها بتكثيف الدعم لبلاده، لمواجهة العدوان الروسي، على حد وصفه. وقد عبر قادة المجموعة عن توفير الدعم اللازم لأوكرانيا فى موازنة العام الجاري وأوائل عام 2024، وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال كلمته أمام القمة عن حزمة جديدة من المعدات العسكرية لدعم أوكرانيا، وأوضح أن الحزمة ستشمل ذخيرة ومدفعية وعربات مدرعة.
(*) فرض عقوبات على روسيا: اتجه قادة مجموعة الدول السبع الصناعية، نحو اتخاذ عقوبات جديدة على روسيا على خلفية حربها ضد أوكرانيا المتفجرة منذ فبراير 2022، وشملت العقوبات قيودًا على صادرات سلع مثل الألماس الذى تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميًا في إنتاجه، فضلاً عن حرمان موسكو من التكنولوجيا والمعدات الصناعية، إذ يسعى قادة المجموعة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تحايل على العقوبات من شأنه أن يسمح بزيادة الإيرادات الروسية، والتأكيد على أنهم يتواصلون مع دول أخرى من أجل تجنب تدفق سلعهم وتقنياتهم الحديثة إلى روسيا عبر دولة ثالثة.
(*) مواجهة أزمات الاقتصاد العالمي: يتبنى قادة دول مجموعة السبع السياسات القائمة على الحرية الاقتصادية، ودعم ركائز الانفتاح والعولمة بين الاقتصادات، وقد عبر بيان القمة عن ذلك التوجه، بأن مجموعة الدول السبع تدعم التجارة المفتوحة والعادلة والشفافة والآمنة والمتنوعة والمستدامة، والقابلة للتتبع والمستندة إلى القواعد وآليات السوق في المعادن الحرجة، وتُعارِض الممارسات المشوهة للسوق والسياسات الاحتكارية بشأنها، وتعاود التأكيد على الحاجة إلى بناء سلاسل توريد للمعادن الحرجة تتسم بالمرونة والقوة والمسؤولية والشفافية. ولمواجهة أزمات الاقتصاد العالمي في ظل ارتفاع مستويات التضخم، كشف بيان القمة عن أن البنوك المركزية مستمرة في التزاماتها بتحقيق استقرار الأسعار، وأن السياسات المالية يجب أن توفر الدعم المناسب والمؤقت والموجه للفئات الضعيفة، مع تحفيز الاستثمارات في التحولين الأخضر والرقمي.
(*) مواجهة التغيرات المناخية: تعد قضية التغيرات المناحية من أبرز التحديات التي تواجه الدول الصناعية والنامية على حد سواء. لذلك عاود قادة الدول السبع الصناعية التأكيد على التزامهم باتفاقية باريس للمناخ وخفض الانبعاثات بحلول 2050، معتبرين أن الاستثمار الذى يلقى دعمًا معلنًا في الغاز، يمكن أن يكون حلاً مناسبًا كإجراء مؤقت نظرًا لأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والتخلص التدريجي من الاعتماد على الإمدادات الروسية في مجال الطاقة، لا سيما وأن أوروبا وحتى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كانت تعتمد على 40% من استهلاكها للغاز على روسيا.
(*) ضمان الأمن الغذائي: تمثل تحديات الأمن الغذائي إحدى القضايا التي تهم علاقات الدول المتقدمة بالدول النامية، لا سيما وأن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت بأسعار الغذاء إلى مستويات قياسية، وقد تعهد قادة مجموعة الدول السبع بتقديم مساعدات تتعلق بالأمن الغذائي، بعد أن تجاوز التزامهم العام الماضى فى قمة المجموعة بألمانيا ما يقرب من 14 مليار دولار. وقد عبر القادة عن ذلك التحدي بأن أوكرانيا التي تعد مصدرًا من المصادر الرئيسية للغذاء في العالم، فإن ثمة شعور بالقلق البلغ إزاء التأثير الحالي والمستقبلي لتعطيل روسيا المتعمد للقطاع الزراعي الأوكراني على الأمن الغذائي في البلدان الأكثر ضعفًا.
(*) دعم الاتحاد الإفريقي ودول آسيا الوسطى: أكد بيان القمة أن قادة مجموعة الدول السبع يودون رؤية دور أكبر للاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين، كما عبر البيان عن اعتزام المجموعة تعميق الحوار والتواصل والروابط مع دول آسيا الوسطى.
(*) الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: دعا قادة دول مجموعة السبع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى اتخاذ خطوات لبناء الثقة لتحقيق حل الدولتين، ومطالبة الفلسطينيين والإسرائيليين بالامتناع عن الإجراءات الأحادية الجانب، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية والتحريض على العنف، والتأكيد على أنهم سيواصلون دعم الاقتصاد الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
رفض صينى-روسي:
إذا كان اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية على هامش القمة اعتبر أنه لا يوجد أساس قانونى لمطالبات الصين البحرية الواسعة في بحر جنوب الصين، ورافضًا لأنشطة العسكرة التي تقوم بها الصين في المنطقة، ومنتقداً لملف حقوق الانسان بالصين، فإن الصين رفضت تلك التوجهات إزاء سياساتها ووصفتها بالافتراء وبتشويه سمعتها، إذ انتقد الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانج ونبيين، في تصريح للصحفيين، ما اعتبره تجاهلاً من جانب اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع لموقف الصين الرسمي وللحقائق الموضوعية، مؤكدًا أنهم تدخلوا بشكل فاضح في الشؤون الداخلية للصين وافتروا وشوهوا سمعتها. لذلك استدعت الصين في 21 مايو 2023 سفير اليابان لديها هيديو تارومي، لتقديم احتجاج رسمي على الإشارات إلى تايوان والقضايا الأخرى المتعلقة بالشؤون الداخلية، والتي اعتبرتها تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وأضرت بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية.
كما أصدرت الخارجية الروسية بيانًا للتعليق على قمة مجموعة الدول السبع، أوضحت فيه أن المجموعة عامل رئيسي في تفاقم المشاكل العالمية، ولا يمكنها تمثيل مصالح مراكز التنمية الأخرى، ولا سيما في دول منطقة آسيا والمحيط الهادىء وجنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وذلك وفقا لوكالة أنباء "تاس" الروسية.
مجمل القول؛ إن مركزية الصين على أجندة أعمال قمة الدول السبع الصناعية وفي اجتماع وزراء خارجية المجموعة وفي بيانها الختامي، يعكس الإدراك الغربي للصعود الصيني المتنامي اقتصاديًا وعسكريًا، بما جعل اقتصاد الصين وملفها في مجال حقوق الإنسان، ووجودها فى بحر الصين الجنوبي وعلاقتها بتايوان، ودعوتها للوساطة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية تحظى باهتمام قادة القمة، فى ظل تنامى الاعتماد المتبادل والتشبيك بين تلك الاقتصادات والاقتصاد الصينى ليحول دون فك الارتباط بينهما. وهو ما يعنى أن ثمة نظام دولي جديد لا يزال قيد التشكيل، سيكون للصين فيه مكانتها العالمية، وبما سيؤدى إلى انتقال مراكز الثقل الدولي نحو الشرق تدريجيًا.