على مدار نحو 5 عقود، حجزت الممثلة الأمريكية ميريل ستريب لنفسها مكانة مميزة بين أبرز نجوم هوليوود في تاريخ السينما العالمية، وباتت رمزًا للكثير من النجمات اللائي يبحثن عن تحقيق الشهرة والالتزام بالأداء التمثيلي المحترف، ما جعلها من القلائل الفائزين بـ3 جوائز أوسكار، فضلًا عن أنها صاحبة الرقم القياسي في عدد الترشيحات لجائزة أفضل ممثلة بـ21 ترشيحًا.
الممثلة التي تحتفل بعيد ميلادها الـ75، اليوم السبت، ولدت عام 1949 في نيو جيرسي، وتجمع في جيناتها الوراثية أصولًا من ألمانيا وإنجلترا وسويسرا وأيرلندا، وأصبحت مهتمة بالتمثيل عندما كانت طالبة في جامعة فاسار في الولايات المتحدة، ثم أخذت دروسا في فن التمثيل، ومع ظهورها الأول عام 1977 في فيلم الدراما Julia "جوليا" لفتت الأنظار إليها بشدة.
اللافت للنظر أن "ستريب" المرصع تاريخها بالجوائز، عرفت طريقها إلى الترشيحات ومنصات التتويج في العام التالي لظهورها، إذ رُشحت عام 1978 لجائزة أوسكار عن دورها في The Deer Hunter "صائد الغزلان"، ورغم أنها لم تحصد الجائزة وقتها، إلا أنها بعدها بعام نجحت في ذلك وحصدت أول أوسكار في تاريخها عن أدائها في فيلمي Kramer vs. Kramer " كرامر ضد كرامر" (1979) وتبعتها عام 1982 بجائزة أوسكار عن Sophie's Choice "اختيار صوفي".
"أنت قبيحة للغاية ولا يمكنك المشاركة معنا".. هذه الكلمات التي سمعتها ميريل ستريب من المنتج الإيطالي دينو دي لورنتيس قبل اقتحامها مجال السينما، لم تثنها عن المضي قدمًا لتحقيق حلمها، وكلما أحرزت تقدمًا في مجالها، تتذكر بشكل ساخر رفض المنتج مشاركتها في فيلم المغامرات والرعب King Kong "كينج كونج" الصادر عام 1976، حسبما قالت في برنامج The Graham Norton Show.
ورغم الانطلاقة القوية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي بأفلام منها Silkwood سيلكوود، Out of Africa "خارج إفريقيا"، Evil Angels "ملائكة الشر"، إلا أن مسيرت "ستريب" المهنية تراجعت قليلًا في أوائل التسعينيات لاختياراتها غير الجيدة لأدوارها السينمائية، ومنها فيلم الكوميديا الفانتازي Death Becomes Her "الموت أصبح هي".
النجمة التي تحتفظ أيضًا برقم فياسي في عدد الترشيحات لجوائز جولدن جلوب بـ32 ترشيحًا، صعدت فيها 8 مرات إلى منصة التتويج، لم تستمر طويلًا في مرحلة التعثر الفني بل عادت إلى القمة عام 1995 بأدائها كعاشقة متزوجة لكلينت إيستوود في The Bridges of Madison County "جسور مقاطعة ماديسون" الصادر عام 1995، وتألقت بعده في دورها بفيلم Marvin's Room "غرفة مارتن" للمخرج جيري زاكس.
ثقة ميريل ستريب في أدائها التمثيلي وبنفسها تبدو واضحة تمامًا في تصريح لها بأحد حواراتها في مقتبل مشوارها الفني، إذ قالت: "بغض النظر عمّا يحدث، فإن عملي سيصمد"، ومنحتها هذه الثقة طوق النجاة في بعض الأفلام التي لم تقدم فيها أداءً رائعًا لكنها لم تهبط بها إلى مستوى خيبة الأمل.
نجمة فيلم Mamma Mia التي تؤمن بأن قوة التعاطف هي أعظم هدية مُنحت للبشرية، قالت في إحدى ندواتها عن تجربتها الفنية إن تطوير القدرة على التعاطف منحها الشعور بالمتعة الحياتية الرائعة المتمثلة في نقل مشاعر الشخصيات إلى الجمهور، قبل أن تضيف: "إنجازي في الحياة -إذا جاز تسميته إنجازًا- يتمثل في أنني تظاهرت طوال حياتي بأنني أشخاص غير عادية".
هذا التصور لفن التمثيل يفسر تمامًا سر تألقها في أداء العديد من الأدوار المركبة وغير العادية، ومنها دورها الشهير في الفيلم الكوميدي The Devil Wears Prada "الشيطان يرتدي برادا" الصادر عام 2006، مجسدة دور ميراندا بريستلي رئيس تحرير إحدى صحف الموضة الشهيرة شديدة الصرامة، وتألقت للغاية في الدور رغم أن البعض شكك في قدرتها على إضحاك الجمهور، حسبما كشفت منتجة العمل ويندي فينرمان في تصريحات صحفية، إذ قالت إن الكثيرين نصحوها بإيجاد ممثلة غيرها.
تاريخ ميريل ستريب المرصع بالجوائز والتكريم، رفض أن تغلق عامها الـ75 قبل أن تحصل على تكريم من نوع خاص، إذ حصدت جائزة السعفة الذهبية الفخرية بمهرجان كان عن مسيرتها المهنية الممتدة، وفور صعودها على خشبة المسرح نالت تصفيقًا حارًا من حضور المهرجان وزملاء مسيرتها الفنية، ومنهم جولييت بينوش التي سلمتها الجائزة باكية قبل أن تقول: "لقد غيرت ميريل ستريب الطريقة التي ننظر بها إلى النساء في عالم السينما وجعلتنا أيضًا ننظر إلى أنفسنا بشكل مختلف".